اضرار كثرة النوم بالنهار: عندما يصبح الراحة ضرراً
في عالم يزداد فيه إيقاع الحياة تسارعًا، قد يبدو النوم بالنهار ملاذًا هادئًا للكثيرين، فرصة لاستعادة النشاط وتعويض قلة النوم ليلاً. إلا أن ما يبدو وكأنه راحة يمكن أن يتحول إلى عبء صحي ثقيل إذا ما تجاوز الحد المعقول. النوم الزائد في ساعات النهار، المعروف أيضًا باسم “الخمول النهاري المفرط”، ليس مجرد عادة غير مفيدة، بل هو مؤشر محتمل لمشاكل صحية أعمق، وله تبعات سلبية متعددة على صحتنا الجسدية والنفسية.
متى يصبح النوم بالنهار مشكلة؟
النوم القصير خلال النهار، المعروف بالقيلولة، يمكن أن يكون مفيدًا جدًا، حيث يساعد على تحسين اليقظة، وتعزيز الأداء المعرفي، وتقليل التوتر. لكن المشكلة تكمن عندما يصبح النوم بالنهار طويلاً ومفرطًا، أو عندما يصبح الشخص غير قادر على مقاومة الرغبة الشديدة في النوم خلال ساعات النهار، حتى بعد الحصول على قسط كافٍ من النوم ليلاً. هذه الحالة قد تكون علامة على اضطراب كامن أو قد تؤدي إلى تفاقم مشاكل صحية قائمة.
التأثير على الساعة البيولوجية وأنماط النوم
1. اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية:
يتحكم إيقاع الساعة البيولوجية، وهو الساعة الداخلية للجسم، في دورات النوم والاستيقاظ لدينا. النوم الزائد بالنهار يمكن أن يعطل هذا الإيقاع الطبيعي، مما يجعل من الصعب النوم ليلاً. عندما تقضي ساعات طويلة نائمًا خلال النهار، فإن جسمك لا يحصل على الإشارات الكافية التي تدل على أن الوقت المناسب للنوم قد حان، وهذا يؤدي إلى الأرق أو صعوبة الدخول في نوم عميق في الليل.
2. تفاقم مشاكل النوم الليلية:
بدلاً من أن يكون حلاً لمشاكل النوم، قد يؤدي النوم المفرط بالنهار إلى تفاقمها. فالشخص الذي يعاني من الأرق ليلاً قد يلجأ إلى النوم لساعات طويلة في النهار، مما يخلق حلقة مفرغة. هذا النوم النهاري الممتد يقلل من “ضغط النوم” الذي يتراكم خلال فترة الاستيقاظ، وهو ما يجعل النوم ليلاً أكثر صعوبة.
التأثير على الصحة الجسدية
1. زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية:
تشير العديد من الدراسات إلى وجود صلة بين النوم الزائد بالنهار وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم وأمراض الشرايين التاجية. يعتقد الباحثون أن هذا الارتباط قد يعود إلى عوامل مثل الخمول البدني المصاحب للنوم المفرط، والتغيرات في مستويات الهرمونات، واضطراب إيقاع الساعة البيولوجية.
2. زيادة الوزن والسمنة:
قضاء ساعات طويلة في النوم يعني قلة الحركة والنشاط البدني، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى زيادة السعرات الحرارية المستهلكة مقارنة بالسعرات المحروقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر النوم المفرط على هرمونات الشهية، مثل هرمون الجريلين والليبتين، مما يزيد من الشعور بالجوع والرغبة في تناول الأطعمة غير الصحية، وبالتالي يساهم في زيادة الوزن والسمنة.
3. زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني:
هناك علاقة قوية بين اضطرابات النوم، بما في ذلك النوم المفرط بالنهار، وزيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. يمكن أن يؤثر النوم الزائد على حساسية الجسم للأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم. عندما يصبح الجسم أقل استجابة للأنسولين، ترتفع مستويات السكر في الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بالسكري.
4. الشعور بالألم المزمن:
قد يجد الأشخاص الذين يعانون من حالات مثل الألم العضلي الليفي (Fibromyalgia) أو التهاب المفاصل أن النوم المفرط بالنهار يزيد من شعورهم بالألم والتيبس. هذا قد يكون بسبب قلة الحركة أو بسبب تأثير النوم المفرط على عمليات الالتهاب في الجسم.
التأثير على الصحة النفسية والمعرفية
1. زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب:
غالبًا ما يكون النوم المفرط بالنهار أحد أعراض الاكتئاب، ولكنه قد يكون أيضًا عاملاً مساهماً في تفاقمه. يمكن أن يؤدي قضاء الكثير من الوقت في النوم إلى الشعور بالعزلة، وفقدان الحافز، وتدهور الحالة المزاجية. الشخص الذي ينام طويلاً بالنهار قد يفقد فرصًا للتفاعل الاجتماعي أو ممارسة الأنشطة التي تجلب له السعادة.
2. تدهور الأداء المعرفي:
قد يبدو النوم وسيلة لاستعادة النشاط الذهني، ولكن النوم المفرط بالنهار يمكن أن يكون له تأثير عكسي. يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالخمول، وصعوبة التركيز، وضعف الذاكرة، وبطء في الاستجابة. هذا التدهور في الأداء المعرفي يمكن أن يؤثر على الأداء في العمل أو الدراسة، وعلى القدرة على أداء المهام اليومية.
3. الشعور بالخمول وعدم النشاط:
بدلاً من الشعور بالانتعاش، قد يجد الأشخاص الذين ينامون طويلاً بالنهار أنهم يشعرون بمزيد من الخمول والتعب. هذا قد يكون بسبب تعطيل إيقاع الساعة البيولوجية، أو بسبب أن النوم النهاري المفرط يقلل من جودة النوم الليلي، مما يجعل الشخص يشعر بأنه لم يحصل على الراحة الكافية.
متى يجب طلب المساعدة؟
إذا كنت تجد صعوبة في مقاومة الرغبة الشديدة في النوم خلال النهار، حتى بعد الحصول على قسط كافٍ من النوم ليلاً، أو إذا كنت تعاني من أي من الأعراض المذكورة أعلاه، فمن الضروري استشارة الطبيب. قد يكون النوم المفرط بالنهار علامة على حالة طبية تتطلب التشخيص والعلاج، مثل:
انقطاع التنفس أثناء النوم (Sleep Apnea): اضطراب يؤثر على التنفس أثناء النوم، مما يسبب فترات توقف للتنفس وجفاف في مجرى الهواء، ويؤدي إلى نوم متقطع والشعور بالنعاس المفرط خلال النهار.
الخدار (Narcolepsy): اضطراب عصبي مزمن يؤثر على قدرة الدماغ على تنظيم دورات النوم والاستيقاظ، ويسبب نعاسًا مفرطًا أثناء النهار ونوبات نوم مفاجئة.
متلازمة الساق المتململة (Restless Legs Syndrome): وهي حاجة ملحة لتحريك الساقين، وغالبًا ما تكون مصحوبة بإحساس غير مريح، مما يسبب اضطرابًا في النوم.
اضطرابات المزاج: مثل الاكتئاب والقلق.
آثار جانبية لبعض الأدوية: بعض الأدوية قد تسبب النعاس كأثر جانبي.
نصائح للحفاظ على توازن النوم
للحفاظ على صحة جيدة وتوازن في أنماط النوم، يُنصح بما يلي:
الالتزام بجدول نوم منتظم: حاول الذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في نفس الوقت تقريبًا كل يوم، حتى في عطلات نهاية الأسبوع.
تهيئة بيئة نوم مناسبة: اجعل غرفة نومك مظلمة، وهادئة، وباردة.
تجنب الكافيين والنيكوتين قبل النوم: هذه المواد يمكن أن تعيق النوم.
ممارسة الرياضة بانتظام: لكن تجنب ممارستها قبل النوم بوقت قصير.
الحد من القيلولة: إذا كنت بحاجة للقيلولة، اجعلها قصيرة (20-30 دقيقة) وفي وقت مبكر من بعد الظهر.
في الختام، النوم هو حاجة أساسية للجسم، ولكن الإفراط فيه، خاصة خلال النهار، يمكن أن يحمل عواقب وخيمة على صحتنا. الاستماع إلى جسدك والبحث عن المساعدة المتخصصة عند الحاجة هو الخطوة الأهم نحو استعادة التوازن الصحي.
