المشي الكثير: فوائد لا تُحصى، ولكن هل له أضرار؟
لطالما ارتبط المشي بالصحة والعافية. إنه نشاط بدني سهل الوصول إليه، لا يتطلب معدات خاصة، ويمكن ممارسته في أي وقت ومكان تقريبًا. تُعد فوائده على القلب والأوعية الدموية، وتحسين المزاج، وتقوية العظام، وإدارة الوزن، من الحقائق الثابتة علميًا. ومع ذلك، كما هو الحال مع أي شيء في الحياة، فإن الإفراط في فعل شيء، حتى لو كان صحيًا، قد يحمل في طياته بعض الجوانب السلبية. فهل يمكن أن يكون المشي الكثير مضرًا؟ الإجابة ليست بسيطة، فهي تعتمد على عدة عوامل.
متى يتحول المشي من نعمة إلى نقمة؟
لا يوجد رقم سحري يحدد “المشي الكثير” بالضبط، فما يعتبر كثيرًا لشخص قد يكون عاديًا لآخر. يعتمد ذلك على مستوى اللياقة البدنية للفرد، وحالته الصحية العامة، ونوعية التضاريس التي يمشي عليها، وحتى الأحذية التي يرتديها. لكن بشكل عام، يمكن أن تبدأ الأضرار في الظهور عندما يتجاوز المشي القدرة الاستيعابية للجسم، أو عندما يتم بشكل خاطئ، أو عندما تكون هناك ظروف بيئية غير مواتية.
الآلام والإصابات الجسدية: الوجه الآخر للمشي المفرط
ربما تكون الآلام والإصابات الجسدية هي الأضرار الأكثر شيوعًا التي قد تنتج عن المشي المفرط. قد يعاني البعض من:
آلام المفاصل:
خاصة في الركبتين والكاحلين والوركين. مع تكرار الخطوات، تتعرض هذه المفاصل لضغط مستمر، وإذا لم تكن العضلات المحيطة بها قوية بما يكفي لدعمها، أو إذا كانت هناك مشاكل هيكلية موجودة مسبقًا، فقد يؤدي ذلك إلى التهاب أو تفاقم آلام المفاصل.
إجهاد العضلات وآلامها:
قد يشعر البعض بآلام حادة أو مزمنة في عضلات الساقين، وخاصة عضلة الساق (بطة الساق) وعضلات الفخذ. هذا غالبًا ما يحدث نتيجة لزيادة المسافة أو الشدة بشكل مفاجئ دون إعطاء الجسم وقتًا كافيًا للتكيف.
التهاب اللفافة الأخمصية:
وهي حالة مؤلمة تصيب النسيج الذي يمتد على طول باطن القدم. يمكن أن يتفاقم هذا الالتهاب مع المشي لفترات طويلة، خاصة على الأسطح الصلبة أو مع ارتداء أحذية غير مناسبة.
مشاكل الجلد:
مثل البثور والتقرحات، خاصة إذا لم تكن الأحذية مناسبة أو إذا كان هناك احتكاك متكرر.
كسور الإجهاد:
وهي شقوق صغيرة في العظام تحدث نتيجة للإجهاد المتكرر، وغالبًا ما تصيب عظام القدم والساق. هذا النوع من الإصابات نادر نسبيًا مع المشي العادي، ولكنه يمكن أن يحدث مع الزيادات المفاجئة والكبيرة في المسافة المقطوعة.
التعب والإرهاق: عندما يتجاوز الجهد طاقة الجسم
المشي هو نشاط يستهلك الطاقة. عندما تتجاوز كمية المشي الطاقة المتاحة في الجسم، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مستويات عالية من التعب والإرهاق. هذا لا يعني فقط الشعور بالخمول، بل قد يؤثر أيضًا على الأداء البدني والذهني العام، ويقلل من القدرة على التركيز، ويجعل الشخص أكثر عرضة للإصابات في الأنشطة الأخرى.
تفاقم بعض الحالات الصحية الموجودة
على الرغم من أن المشي مفيد بشكل عام لمعظم الحالات الصحية، إلا أنه في بعض الأحيان، قد يؤدي المشي المفرط إلى تفاقم بعض المشاكل الصحية الموجودة مسبقًا. على سبيل المثال:
مرضى السكري: قد يؤدي المشي لفترات طويلة جدًا إلى انخفاض حاد في مستويات السكر في الدم (نقص سكر الدم)، خاصة إذا لم يتم تناول الطعام بشكل كافٍ قبل المشي أو أثناءه.
مشاكل القلب: في حالات نادرة جدًا، قد يؤدي المجهود البدني الشديد، بما في ذلك المشي لمسافات طويلة جدًا، إلى إجهاد القلب لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض قلبية شديدة غير مشخصة أو سيئة التحكم.
مشاكل الدورة الدموية: قد يؤدي الوقوف والمشي لفترات طويلة جدًا دون حركة كافية إلى بعض المشاكل في الدورة الدموية، خاصة في الأطراف السفلية.
العوامل المؤثرة في حدوث الأضرار
لتجنب الأضرار المحتملة للمشي الكثير، يجب الانتباه إلى العوامل التالية:
التدرج: زيادة المسافة والشدة تدريجيًا هو المفتاح. لا تقفز من المشي 10 دقائق إلى 10 كيلومترات في يوم واحد.
الأحذية المناسبة: ارتداء أحذية رياضية مريحة وداعمة ومناسبة لنوع النشاط (مشاة، جري، إلخ) أمر حيوي.
الاستماع إلى جسدك: لا تتجاهل إشارات الألم. الراحة جزء لا يتجزأ من أي برنامج لياقة بدنية.
الترطيب والتغذية: شرب كميات كافية من الماء وتناول وجبات متوازنة يساعد الجسم على تحمل المجهود.
الاستشارة الطبية: خاصة للأشخاص الذين لديهم حالات صحية مزمنة، أو الذين لم يمارسوا الرياضة منذ فترة طويلة، من الضروري استشارة الطبيب قبل البدء في برنامج مشي مكثف.
الخلاصة: الاعتدال هو مفتاح الصحة
في الختام، المشي هو بالتأكيد أحد أفضل الأنشطة البدنية التي يمكن للإنسان ممارستها. فوائده تفوق بكثير أي أضرار محتملة، ولكن مثل أي شيء آخر، فإن الاعتدال هو مفتاح الصحة. عندما يتم المشي بذكاء، مع الانتباه إلى قدرات الجسم، والاستماع إلى إشاراته، واتخاذ الاحتياطات اللازمة، فإنه يظل أداة رائعة للحفاظ على صحة جسدية وعقلية ممتازة. المشي الكثير ليس سيئًا بحد ذاته، بل هو كيفية قيامنا به وما إذا كنا نتجاوزه.
