الشمس: صديق و عدو.. فوائد وأضرار الجلوس تحت أشعتها

لطالما كانت الشمس مصدر إلهام وحياة للبشرية عبر العصور. إنها تلك الكرة النارية الساطعة في سمائنا، والتي تمنحنا الدفء والضوء، وتسهم بشكل مباشر في استمرارية الحياة على كوكبنا. ولكن، مثل كل شيء في الحياة، فإن التعرض لأشعة الشمس يحمل في طياته جانبين: فوائد جمة وأضرار محتملة. إن فهم هذه الديناميكية هو مفتاح الاستمتاع بأشعتها مع تجنب مخاطرها.

الجانب المشرق: فوائد الجلوس في الشمس

لا يمكننا إنكار الدور الحيوي الذي تلعبه الشمس في صحتنا. من أبرز فوائدها هو إنتاج فيتامين “د” في الجسم.

فيتامين د: بطل العظام والمناعة

عندما تتعرض بشرتنا لأشعة الشمس فوق البنفسجية من النوع ب (UVB)، تبدأ عملية كيميائية طبيعية لإنتاج فيتامين “د”. هذا الفيتامين لا غنى عنه لصحة العظام والأسنان، حيث يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم والفوسفور. نقصه يمكن أن يؤدي إلى حالات مثل الكساح عند الأطفال ولين العظام عند الكبار. إلى جانب دوره في صحة الهيكل العظمي، يلعب فيتامين “د” دورًا هامًا في تعزيز جهاز المناعة، مما يساعد الجسم على مقاومة الأمراض والالتهابات.

تحسين المزاج ومكافحة الاكتئاب

هل شعرت يومًا بتحسن في مزاجك بعد قضاء بعض الوقت في الخارج تحت أشعة الشمس؟ هذا ليس محض صدفة. يعتقد العلماء أن ضوء الشمس يمكن أن يؤثر على مستويات السيروتونين في الدماغ، وهو ناقل عصبي يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم المزاج. زيادة مستويات السيروتونين يمكن أن تساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب الموسمي واضطرابات المزاج الأخرى، مما يمنحنا شعورًا بالسعادة والنشاط.

تنظيم دورة النوم والاستيقاظ

ضوء الشمس، وخاصة في الصباح، يساعد على تنظيم ساعتنا البيولوجية الداخلية (الإيقاع اليومي). التعرض للضوء الطبيعي في الصباح يرسل إشارات إلى الدماغ بأن الوقت قد حان للاستيقاظ واليقظة، بينما يساعد تقليل التعرض للضوء الساطع في المساء على إنتاج الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن النوم. هذا التنظيم يساعد في تحسين جودة النوم والشعور بالراحة عند الاستيقاظ.

فوائد أخرى

إلى جانب ما سبق، تشير بعض الدراسات إلى أن التعرض المعتدل لأشعة الشمس قد يكون له فوائد في تخفيف بعض الأمراض الجلدية مثل الصدفية والأكزيما، وذلك بفضل خصائصها المضادة للالتهابات. كما أن الشعور بالدفء الذي تمنحه الشمس يمكن أن يساعد في تخفيف آلام العضلات والمفاصل.

الوجه الآخر للعملة: أضرار الجلوس في الشمس

مع كل هذه الفوائد، يجب ألا ننسى أن التعرض المفرط أو غير المحمي لأشعة الشمس يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على صحتنا.

حروق الشمس: الألم السريع والضرر طويل الأمد

حروق الشمس هي الاستجابة الأكثر شيوعًا للتعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية. تتميز بألم شديد، احمرار، وتقشير الجلد. ولكن الأضرار لا تتوقف عند هذا الحد. كل حرق شمس، خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة، يزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلد، بما في ذلك الميلانوما، وهو النوع الأكثر خطورة.

شيخوخة الجلد المبكرة

تُعد الأشعة فوق البنفسجية، وخاصة النوع “أ” (UVB)، مسؤولة بشكل كبير عن شيخوخة الجلد المبكرة. تؤدي هذه الأشعة إلى تكسير الكولاجين والإيلاستين، وهما البروتينان المسؤولان عن مرونة وشباب الجلد. والنتيجة هي ظهور التجاعيد المبكرة، البقع الداكنة (بقع الشمس أو الكلف)، فقدان مرونة الجلد، وظهور الأوعية الدموية الدقيقة.

زيادة خطر الإصابة بسرطان الجلد

كما ذكرنا، فإن التعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية هو عامل الخطر الرئيسي للإصابة بأنواع مختلفة من سرطان الجلد. الأشعة فوق البنفسجية تتلف الحمض النووي للخلايا الجلدية، ومع تكرار هذا التلف وتراكمه، قد تبدأ الخلايا في النمو بشكل غير طبيعي، مما يؤدي إلى تكوين الأورام السرطانية.

أضرار أخرى للعين

التعرض المطول لأشعة الشمس بدون حماية للعين يمكن أن يسبب مشاكل خطيرة مثل إعتام عدسة العين (الكاتاراكت) والضمور البقعي، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى فقدان البصر.

كيف نحقق التوازن؟ نصائح للتعرض الآمن للشمس

المفتاح هو الاعتدال والحماية. لا يعني تجنب الشمس كليًا، بل يعني الاستمتاع بفوائدها بأمان.

التوقيت هو كل شيء

تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس خلال ساعات الذروة، عادة بين الساعة 10 صباحًا و 4 مساءً، حيث تكون الأشعة فوق البنفسجية في أشدها. اختر أوقات الصباح الباكر أو وقت متأخر بعد الظهر لقضاء وقت في الخارج.

الحماية الفعالة

واقي الشمس: استخدم واقي شمس واسع الطيف بعامل حماية (SPF) لا يقل عن 30، وقم بإعادة وضعه كل ساعتين، أو أكثر إذا كنت تتعرق أو تسبح.
الملابس الواقية: ارتدِ ملابس تغطي أكبر قدر ممكن من الجلد، مثل القمصان ذات الأكمام الطويلة والسراويل.
القبعات: اختر قبعات ذات حواف عريضة لحماية وجهك ورقبتك وأذنيك.
النظارات الشمسية: ارتدِ نظارات شمسية توفر حماية 100% من الأشعة فوق البنفسجية.

الترطيب

اشرب كميات كافية من الماء للحفاظ على رطوبة جسمك، خاصة عند قضاء وقت طويل في الشمس.

الاستماع إلى جسدك

إذا شعرت بالحرارة الشديدة أو الدوار، ابحث عن مكان مظلل فورًا.

في الختام، الشمس نعمة عظيمة، ولكن مثل أي نعمة، يجب التعامل معها بحكمة واحترام. بتبني عادات صحية وآمنة، يمكننا الاستمتاع بالفوائد التي لا تقدر بثمن التي تقدمها لنا، مع تجنب مخاطرها المحتملة، لنعيش حياة أكثر صحة وسعادة تحت سمائها.