فن الروانى الأصيل: رحلة مع الشيف محمد حامد نحو إتقان الحلوى الشرقية

تُعدّ الروانى، تلك الحلوى الشرقية الفاخرة ذات القوام المتجانس والنكهة الغنية، واحدة من أروع ما تُبدعه الأيدي الماهرة في عالم الحلويات. وفي قلب هذا الإبداع، يقف الشيف محمد حامد، اسمٌ لامعٌ في سماء المطبخ العربي، ليقدم لنا رؤيته الفريدة وتجربته العميقة في إعداد هذه القطعة الفنية. إنّ وصفة الروانى ليست مجرد مزيج من المكونات، بل هي قصة تُروى عبر الأجيال، تتجلى فيها دقة التفاصيل، وعبق التراث، وشغف الإتقان.

فلسفة الشيف محمد حامد في إعداد الروانى: ما وراء الوصفة

لا يرى الشيف محمد حامد في الروانى مجرد حلوى تُقدم في المناسبات، بل يعتبرها تعبيراً فنياً عن الأصالة والضيافة العربية. ترتكز فلسفته على احترام المكونات الأساسية، وإبراز نكهاتها الطبيعية، مع إضافة لمسات شخصية تُضفي عليها طابعاً فريداً. يؤمن الشيف حامد بأنّ سرّ الروانى الناجح يكمن في التوازن الدقيق بين السكر، السميد، السمن، والحليب، بالإضافة إلى العناية الفائقة بدرجة الحرارة ووقت الخبز.

أهمية اختيار المكونات في وصفة الروانى

يبدأ الإتقان من اختيار أجود المكونات، وهذا ما يؤكده الشيف محمد حامد باستمرار.

  • السميد: حجر الزاوية في بنية الروانى

    لا غنى عن استخدام السميد الناعم ذي الجودة العالية. فالسميد هو الذي يمنح الروانى قوامها المميز، سواء كان ذلك القوام الطري والذائب في الفم، أو القوام الأكثر تماسكاً الذي يحتمل التقطيع. يفضل الشيف حامد استخدام سميد خشن قليلاً لضمان عدم تحول الروانى إلى عجينة متماسكة بشكل مبالغ فيه، مع التأكيد على أن يكون طازجاً وخالياً من أي روائح غريبة.

  • السمن: سرّ الرائحة والنكهة الأصيلة

    يُعدّ السمن البلدي، سواء كان بقرياً أو جاموسياً، هو المكون الذي يمنح الروانى عبقها الأصيل ونكهتها التي لا تُقاوم. يجب أن يكون السمن ذا جودة عالية، خالياً من أي إضافات صناعية، ويُفضل تسخينه قليلاً قبل إضافته لضمان توزيعه بشكل متجانس على السميد. يمنح السمن الروانى طراوة ونكهة عميقة، وهو ما يميزها عن أي حلوى أخرى.

  • الحليب: لضمان الترطيب والطراوة

    يلعب الحليب دوراً حيوياً في ترطيب خليط الروانى ومنحه قواماً طرياً. يُفضل استخدام الحليب كامل الدسم لضمان الحصول على أفضل النتائج. قد يستخدم الشيف حامد الحليب دافئاً قليلاً لتعزيز تفاعل المكونات مع بعضها البعض.

  • السكر: لموازنة النكهات

    يُضاف السكر بكمية محسوبة لتعزيز حلاوة الروانى دون أن تطغى على النكهات الأخرى. يجب أن يكون السكر ذا حبيبات ناعمة لضمان ذوبانه بشكل كامل في الخليط. قد تتضمن بعض الوصفات إضافة كمية قليلة من السكر في الشيرة (القطر) لتعزيز الحلاوة.

  • الإضافات المنكهة: لمسة الشيف الخاصة

    لا تقتصر الروانى على المكونات الأساسية فحسب، بل قد يضيف الشيف محمد حامد إليها بعض اللمسات المنكهة التي تزيد من روعتها. تشمل هذه الإضافات غالباً ماء الورد، أو ماء الزهر، أو حتى القليل من الهيل المطحون، والتي تمنح الروانى عبقاً شرقياً مميزاً. يجب استخدام هذه المنكهات بكميات معتدلة حتى لا تطغى على النكهة الأصلية.

خطوات إعداد الروانى بأسلوب الشيف محمد حامد

تتطلب عملية إعداد الروانى دقة وصبرًا، حيث يتبع الشيف محمد حامد خطوات مدروسة لضمان الحصول على النتيجة المثالية.

التحضير الأولي: مزج المكونات الجافة

تبدأ الرحلة بخلط السميد مع السكر. يُفضل أن يتم هذا الخلط جيداً لضمان توزيع السكر بشكل متساوٍ على حبيبات السميد. بعد ذلك، تُضاف المكونات الجافة الأخرى مثل البيكنج بودر (إذا استخدم) وبعض المنكهات الجافة مثل الهيل المطحون. الهدف هو التأكد من أن كل حبيبة سميد ستتغلف بالنكهة.

إضافة الدهون والسوائل: سرّ القوام المثالي

تأتي مرحلة إضافة السمن المذاب. هنا، يجب التأكد من أن السمن دافئ وليس ساخناً جداً، ويُفرك جيداً مع خليط السميد والسكر. هذه الخطوة، المعروفة بـ “تبسيس” السميد، ضرورية لتغليف كل حبيبة سميد بالسمن، مما يمنع تكون الغلوتين ويضمن قواماً طرياً ومفتتاً للروانى. بعد ذلك، يُضاف الحليب تدريجياً مع التحريك بلطف. يجب عدم الإفراط في العجن، فهدفنا هو تجميع المكونات فقط، وليس تطوير عجين سميك.

التجهيز للخبز: الصواني والتشكيل

يُدهن طبق الخبز (الصينية) بالسمن جيداً لمنع الالتصاق. يُفرد خليط الروانى في الصينية بشكل متساوٍ. قد يقوم الشيف حامد بتسوية السطح باستخدام ملعقة مبللة قليلاً أو بالضغط الخفيف بأطراف الأصابع. بعد ذلك، قد يتم تقطيع الروانى إلى مربعات أو أشكال هندسية أخرى قبل الخبز، مما يسهل عملية التوزيع لاحقاً ويمنع تشققها أثناء التقطيع بعد الخبز.

مرحلة الخبز: فن التحكم بدرجة الحرارة

تُعدّ مرحلة الخبز هي الحاسمة. يُخبز الخليط في فرن مسخن مسبقاً على درجة حرارة متوسطة (حوالي 180 درجة مئوية). يبدأ الخبز من الأسفل حتى تكتسب الروانى لوناً ذهبياً جميلاً، ثم تُشغل الشواية العلوية لبضع دقائق لإعطاء السطح اللون البني الذهبي المميز. مدة الخبز تختلف حسب الفرن وحجم الصينية، ولكن الهدف هو الحصول على روانى مطهوة جيداً من الداخل والخارج.

الشيرة (القطر): لمسة الحلاوة المثالية

بينما تُخبز الروانى، يُحضر الشيرة (القطر). تُطهى كمية من السكر والماء بنسب محددة، ويُضاف إليها عصير الليمون لمنع التبلور، بالإضافة إلى ماء الورد أو الزهر. يجب أن تكون الشيرة دافئة وليست ساخنة جداً عند سقي الروانى. بعد خروج الروانى من الفرن مباشرة، تُسقى بالشيرة ببطء وبشكل متساوٍ. تضمن هذه الخطوة أن تتشرب الروانى الشيرة بالكامل، مما يمنحها طراوة ونكهة غنية.

أسرار إضافية من الشيف محمد حامد لروانى لا تُنسى

بالإضافة إلى الخطوات الأساسية، يشارك الشيف محمد حامد بعض الأسرار التي ترفع من مستوى الروانى إلى قمة الإتقان.

  • استخدام السمن البلدي الأصيل

    يُشدد الشيف حامد على أن نوعية السمن تحدث فرقاً كبيراً. السمن البلدي ذو الرائحة العطرية القوية هو الذي يمنح الروانى طعمها الأصيل الذي يذكرنا ببيت الجدة.

  • التجانس المثالي للخليط

    يجب أن يكون الخليط متجانساً، لا جافاً جداً ولا سائلاً جداً. القوام المثالي هو الذي يمكن تشكيله بسهولة دون أن يكون لزجاً.

  • التحكم في درجة حرارة الفرن

    الفرن المعتدل الحرارة هو مفتاح النجاح. الحرارة العالية جداً قد تحرق الروانى من الخارج قبل أن تنضج من الداخل، بينما الحرارة المنخفضة جداً قد تجعلها جافة.

  • التسقية بالشيرة في الوقت المناسب

    يجب أن تكون الروانى ساخنة عند سقيها بالشيرة الدافئة. هذا يساعد على امتصاص الشيرة بشكل كامل ومنحها الطراوة المطلوبة.

  • الراحة بعد التسقية

    تُترك الروانى لترتاح بعد سقيها بالشيرة لمدة لا تقل عن ساعة، ويفضل تقديمها بعد أن تبرد تماماً. هذه الراحة تسمح للنكهات بالاندماج بشكل أفضل.

  • الزينة ولمسة الختام

    تُزين الروانى عادة بالمكسرات المحمصة، مثل اللوز أو الفستق الحلبي، لإضافة قوام مقرمش ولون جميل. قد يفضل البعض إضافة القليل من جوز الهند المبشور أو حتى رشة من القرفة.

الروانى في المطبخ العربي: تاريخ وتطور

تُعدّ الروانى جزءاً لا يتجزأ من المطبخ العربي، ولها جذور عميقة في التقاليد. يُعتقد أن أصلها يعود إلى العصور القديمة، حيث كانت تُعدّ كحلوى احتفالية في المناسبات الخاصة والأعياد. عبر القرون، تطورت الوصفة، واختلفت من منطقة لأخرى، ولكن جوهرها ظل ثابتاً: حلوى شهية، غنية، ومُرضية. الشيف محمد حامد، من خلال تقديمه لهذه الوصفة، لا يقدم مجرد طبق، بل يعيد إحياء جزء من هذا التاريخ الغني، مع لمسته العصرية التي تجعلها تناسب ذوق الأجيال الجديدة.

الروانى كطبق احتفالي

غالباً ما تُقدم الروانى في المناسبات السعيدة، كالأعراس، وحفلات الخطوبة، والأعياد الدينية. إنّ حلاوتها الغنية وقوامها الفاخر يجعلانها خياراً مثالياً لتقديمها كرمز للكرم والاحتفاء. كما أنها تُعدّ طبقاً مفضلاً في شهر رمضان المبارك، حيث تُقدم كحلوى ختامية بعد الإفطار، تمنح الجسم الطاقة وترضي حاسة التذوق.

الابتكارات والتنويعات على وصفة الروانى الأصلية

على الرغم من أن الوصفة التقليدية للروانى لا تزال تحتل مكانة خاصة، إلا أن العديد من الطهاة، بمن فيهم الشيف محمد حامد، يقومون ببعض التنويعات المبتكرة لإضفاء لمسة عصرية عليها.

  • إضافة الفواكه المجففة

    يمكن إضافة بعض الفواكه المجففة مثل الزبيب أو التمر المفروم إلى خليط الروانى قبل الخبز، لإضافة نكهة حلوة طبيعية وقوام مختلف.

  • استخدام أنواع مختلفة من السمن

    يمكن تجربة استخدام سمن مختلف المصادر، أو حتى مزج السمن مع الزبدة، للحصول على نكهات مختلفة، مع الحرص على الحفاظ على التوازن.

  • تنويعات في الشيرة

    يمكن إضافة قليل من نكهات مختلفة إلى الشيرة، مثل البرتقال، أو القرفة، أو حتى القهوة، لإضفاء نكهة غير تقليدية على الروانى.

  • الروانى المحشوة

    قد يقوم البعض بحشو الروانى بطبقة من المكسرات أو الكريمة، مما يمنحها بعداً جديداً من النكهة والقوام.

الخاتمة: الروانى، فن يجمع بين الماضي والحاضر

في الختام، تُعدّ وصفة الروانى للشيف محمد حامد تجسيداً حقيقياً لفن الطهي الأصيل. إنها رحلة تجمع بين دقة المكونات، وعمق الخبرة، والشغف بالإبداع. من خلال هذه الوصفة، لا نتعلم فقط كيفية إعداد حلوى لذيذة، بل نكتشف أيضاً سحر التقاليد، وجمال الضيافة العربية، وقدرة المطبخ على سرد قصص لا تُنسى. إنّ الروانى، في يد الشيف محمد حامد، ليست مجرد حلوى، بل هي تحفة فنية تُبهج الحواس وتُغذي الروح.