فن تحضير “بين نارين” على طريقة الشيف منال العالم: رحلة عبر النكهات والمذاق الأصيل
تُعدّ أطباق الحلويات جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا العربية، فهي تضفي بهجةً على المناسبات وتُكمل دفء اللقاءات العائلية. ومن بين هذه الحلويات الشهية، يبرز طبق “بين نارين” كقطعة فنية تجمع بين قوامين مختلفين ونكهات متناغمة، لتُشكل تجربة حسية لا تُنسى. ولعلّ أشهر من نسج خيوط سحر هذا الطبق ببراعة هي الشيف القديرة منال العالم، التي ألهمت الكثيرين بوصفاتها المتقنة وأسلوبها المميز في تقديم المطبخ العربي. في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل طريقة عمل “بين نارين” على طريقة الشيف منال العالم، مستعرضين كل خطوة بعناية، ومُضيفين بعض اللمسات التي تُثري التجربة وتُضمن لكم الحصول على طبق احترافي يُبهج العين والذوق.
فهم جوهر طبق “بين نارين”
قبل الشروع في التحضير، من المهم أن نفهم ما الذي يجعل طبق “بين نارين” فريداً. الاسم نفسه يوحي بوجود عنصرين يتنافسان أو يتكاملان، وفي هذا الطبق، يمثل هذا التناغم بين طبقة الكنافة الذهبية المقرمشة، وطبقة المهلبية البيضاء الناعمة والغنية. هذا التباين في القوام واللون هو ما يمنح الطبق جاذبيته البصرية وقيمته الحسية. تكمن براعة الشيف منال العالم في تحقيق التوازن المثالي بين هاتين الطبقتين، بحيث لا تطغى إحداهما على الأخرى، وتتكامل النكهات لتُقدم تجربة متكاملة.
الطبقة السفلية: سحر الكنافة الذهبية
تُعدّ الكنافة هي القاعدة الصلبة والشهية لطبق “بين نارين”. يتطلب تحضيرها عناية فائقة لضمان الحصول على اللون الذهبي المثالي والقوام المقرمش الذي لا يُقاوم.
اختيار عجينة الكنافة المثالية
تتوفر عجينة الكنافة بأنواع مختلفة، منها الطازجة والمجمدة. للحصول على أفضل النتائج، تُفضل الشيف منال العالم غالباً استخدام العجينة الطازجة، حيث تكون أكثر مرونة وسهولة في التعامل. إذا كانت العجينة مجمدة، يجب تركها لتذوب تماماً في درجة حرارة الغرفة قبل البدء بالتحضير.
تفتيت الكنافة وتحضيرها
تبدأ عملية التحضير بتفتيت عجينة الكنافة إلى خيوط رفيعة جداً. يمكن القيام بذلك يدوياً، أو باستخدام محضرة الطعام لضمان تجانس التفتيت. الهدف هو الحصول على خيوط متساوية قدر الإمكان لتوزيع متجانس عند الخبز.
الدهن بالزبدة المذابة: سر القرمشة الذهبية
هذه الخطوة هي مفتاح القرمشة الذهبية للكنافة. تُذاب كمية وفيرة من الزبدة عالية الجودة، ويفضل استخدام الزبدة الحيوانية لتعزيز النكهة. تُخلط الزبدة المذابة مع خيوط الكنافة المفتتة جيداً، مع التأكد من تغطية كل خيط بالزبدة. هذه العملية تضمن أن تصبح الكنافة مقرمشة وذهبية اللون عند الخبز.
إضافة السكر وقليل من لون الطعام (اختياري)
تُضيف بعض الوصفات، بما في ذلك تلك المستوحاة من الشيف منال العالم، كمية صغيرة من السكر إلى خليط الكنافة. يساعد السكر على منح الكنافة لوناً ذهبياً أعمق وقواماً أكثر حلاوة. قد تستخدم بعض الشيفات أيضاً نقطة صغيرة جداً من لون الطعام البرتقالي أو الأحمر لتعزيز اللون الذهبي، ولكن هذه خطوة اختيارية وتعتمد على التفضيل الشخصي.
تشكيل الكنافة في الصينية
تُدهن صينية الخبز بالزبدة جيداً، ثم تُوزع نصف كمية خليط الكنافة المدهون بالزبدة والسكر بالتساوي في قاع الصينية. تُضغط هذه الطبقة بلطف باستخدام يديك أو قاعدة كوب للتأكد من تماسكها. هذا الضغط يمنع تفتت الكنافة بعد الخبز.
تحضير حشوة المهلبية الكريمية
المهلبية هي القلب النابض لطبق “بين نارين”، وهي التي تمنحه نعومته وغناه. تتطلب مهلبية الشيف منال العالم مكونات بسيطة لكن دقيقة لتحقيق القوام المثالي والنكهة الغنية.
مكونات المهلبية الأساسية
تتكون المهلبية التقليدية من الحليب، السكر، النشا (الكورن فلور)، وماء الزهر أو ماء الورد. تُستخدم كمية مناسبة من النشا لضمان أن المهلبية ستتماسك بشكل جيد دون أن تصبح صلبة جداً.
تحضير المهلبية خطوة بخطوة
1. مزج النشا مع قليل من الحليب: في وعاء، يُخلط النشا مع كمية صغيرة من الحليب البارد حتى يذوب تماماً ويختفي أي تكتل. هذه الخطوة ضرورية لمنع تكون كتل النشا عند إضافتها إلى الحليب الساخن.
2. تسخين باقي الحليب: في قدر على نار متوسطة، يُسخن باقي كمية الحليب مع السكر. يُقلب السكر حتى يذوب تماماً.
3. إضافة خليط النشا: عندما يبدأ الحليب في التسخين، يُضاف خليط النشا والحليب ببطء مع التحريك المستمر.
4. الطهي حتى التكاثف: يُستمر في التحريك والطهي على نار هادئة حتى تتكاثف المهلبية وتصل إلى القوام المطلوب. يجب أن تكون المهلبية سميكة بما يكفي لتُشكل طبقة واضحة، ولكنها ليست صلبة جداً.
5. إضافة ماء الزهر أو الورد: بعد أن تتكاثف المهلبية، تُرفع عن النار وتُضاف إليها ماء الزهر أو ماء الورد. تُقلب جيداً لتمتزج النكهة. تُعتبر هذه الخطوة أساسية لإضفاء الرائحة العطرية المميزة على المهلبية.
تطبيق طبقة المهلبية على الكنافة
بعد تجهيز طبقة الكنافة السفلية والمهلبية، يُسكب خليط المهلبية الساخن فوق طبقة الكنافة المخبوزة جزئياً. يجب توزيع المهلبية بالتساوي لتغطية سطح الكنافة بالكامل. تُترك المهلبية لتبرد قليلاً لتتماسك قبل إضافة الطبقة العلوية من الكنافة.
الطبقة العلوية: إتمام عملية الخبز والتحضير النهائي
تُعتبر الطبقة العلوية هي التي تُكمل جمال الطبق وتُضفي عليه لمسة نهائية احترافية.
تغطية المهلبية بخليط الكنافة المتبقي
تُستخدم الكمية المتبقية من خليط الكنافة المدهون بالزبدة لتغطية سطح المهلبية. تُوزع هذه الكمية بلطف فوق المهلبية، مع محاولة تغطيتها بشكل متساوٍ قدر الإمكان. لا يُنصح بالضغط الشديد على هذه الطبقة لتجنب خلطها مع المهلبية.
عملية الخبز: فن الحصول على اللون المثالي
تُخبز صينية “بين نارين” في فرن مسخن مسبقاً على درجة حرارة متوسطة (حوالي 180 درجة مئوية). تُخبز حتى يصبح لون الكنافة ذهبياً داكناً ومقرمشاً. قد تستغرق هذه العملية حوالي 25-35 دقيقة، اعتماداً على الفرن. من المهم مراقبة الطبق باستمرار لضمان عدم احتراق الكنافة.
الشيرة (القطر): سائل الذهب الذي يجمع النكهات
الشيرة أو القطر هو العنصر السحري الذي يربط بين قوام الكنافة المقرمشة ونعومة المهلبية، ويمنح الطبق حلاوة متوازنة.
مكونات الشيرة المثالية
تتكون الشيرة عادةً من السكر والماء، مع إضافة عصير الليمون. يُفضل استخدام نسبة معينة من السكر إلى الماء (عادةً 2:1 أو 3:1) للحصول على قوام متوسط الكثافة.
طريقة تحضير الشيرة
1. مزج السكر والماء: في قدر، يُخلط السكر مع الماء.
2. الغليان: يُوضع القدر على نار متوسطة ويُترك ليغلي.
3. إضافة عصير الليمون: بعد أن يبدأ الخليط في الغليان، يُضاف عصير الليمون. يساعد عصير الليمون على منع تبلور السكر ومنح الشيرة قواماً لامعاً.
4. الطهي حتى التكاثف: يُترك الخليط ليغلي لمدة 5-10 دقائق أخرى، أو حتى يصل إلى الكثافة المطلوبة. يجب أن لا تكون الشيرة سميكة جداً أو سائلة جداً.
5. إضافة ماء الزهر أو الورد (اختياري): يمكن إضافة القليل من ماء الزهر أو الورد إلى الشيرة بعد رفعها عن النار لتعزيز النكهة.
سقي “بين نارين” بالشيرة
بعد خروج صينية “بين نارين” من الفرن وهي ساخنة، تُسقى فوراً بالشيرة الساخنة. تُوزع الشيرة بالتساوي فوق سطح الكنافة. تضمن هذه الخطوة أن تتغلغل الشيرة في طبقة الكنافة الخارجية وتُكسر حدة قرمشتها قليلاً، بينما تُحافظ المهلبية على رطوبتها.
اللمسات النهائية والتزيين: إبداع الشيف منال العالم
لا تكتمل روعة أي طبق دون لمسات التزيين التي تُبرز جماله وتُعزز تجربة التقديم. تُعرف الشيف منال العالم ببراعتها في هذه التفاصيل.
تزيين بالفستق الحلبي المطحون
يُعدّ الفستق الحلبي المطحون هو التزيين الكلاسيكي لطبق “بين نارين”. يُرش الفستق المطحون بكثافة فوق سطح الطبق وهو لا يزال دافئاً، ليلتصق بالشيرة ويُضيف لوناً أخضر زاهياً وجميلاً.
استخدام القشطة أو الكريمة المخفوقة (اختياري)
في بعض الأحيان، تُضيف الشيف منال العالم لمسة إضافية من الفخامة بوضع كمية صغيرة من القشطة الطازجة أو الكريمة المخفوقة على وجه كل قطعة عند التقديم. هذا يُضيف نعومة إضافية وتناقضاً جميلاً مع قوام الكنافة.
تقديم “بين نارين”: لحظة الاستمتاع
يُفضل تقديم طبق “بين نارين” دافئاً أو بدرجة حرارة الغرفة. عند التقطيع، ستظهر طبقات الكنافة الذهبية المقرمشة، والمهلبية البيضاء الناعمة، وهي مزيج بصري يفتح الشهية. كل قضمة هي مزيج مثالي بين الحلاوة، القرمشة، والنعومة، مع عبق ماء الزهر أو الورد الذي يفوح في الأجواء.
نصائح الشيف منال العالم لنجاح طبق “بين نارين”
جودة المكونات: استخدام مكونات طازجة وعالية الجودة، خاصة الزبدة والحليب، هو مفتاح النكهة الأصيلة.
التحكم بالحرارة: الانتباه لدرجات حرارة الفرن وطريقة توزيع الحرارة يضمن خبزاً متساوياً للكنافة.
قوام الشيرة: لا تجعل الشيرة سميكة جداً أو سائلة جداً. القوام المتوسط هو الأنسب.
التوازن في الحلاوة: إذا كنت تفضل حلاوة أقل، يمكنك تقليل كمية السكر في الشيرة.
التقديم الفوري: يُفضل تقديم الطبق بعد تحضيره مباشرة للاستمتاع بأفضل قوام.
إن طبق “بين نارين” على طريقة الشيف منال العالم ليس مجرد وصفة، بل هو فن يتطلب دقة واهتماماً بالتفاصيل. من اختيار الكنافة المثالية، إلى إعداد مهلبية كريمية، وصولاً إلى الشيرة الذهبية والتزيين الأنيق، كل خطوة تُساهم في خلق تحفة فنية تُرضي جميع الأذواق. باتباع هذه الإرشادات، ستتمكنون من إعادة ابتكار هذه الوصفة الكلاسيكية في منازلكم، وتقديمها بفخر واستمتاع.
