البسبوسة بالجبنة: تحفة شرقية تجمع بين الحلاوة والمذاق الفريد

تُعد البسبوسة من الحلويات الشرقية الأصيلة التي لها مكانة خاصة في قلوب الملايين، فهي تجمع بين البساطة في التحضير والطعم الشهي الذي لا يُقاوم. ورغم أن الأنواع التقليدية من البسبوسة، سواء كانت باللوز أو جوز الهند أو القشطة، تحظى بشعبية جارفة، إلا أن هناك تنويعات جديدة ومبتكرة بدأت تفرض نفسها بقوة على الساحة، ومن أبرز هذه التنويعات وأكثرها إثارة للاهتمام هي “البسبوسة بالجبنة”. هذه الوصفة الفريدة تجمع بين قوام البسبوسة الغني والمتشرب للشربات، وبين المذاق المالح والذائب للجبنة، مما يخلق توازناً مدهشاً يأسر الحواس ويقدم تجربة طعام استثنائية.

لطالما ارتبطت الحلويات الشرقية، والبسبوسة على وجه الخصوص، بمكونات أساسية ك السميد، السكر، الزبدة، وماء الزهر أو الورد. لكن إدخال الجبن في تركيبة البسبوسة يمثل نقلة نوعية، فهو يضيف بعداً جديداً للطعم ويغير من قوام الحلوى ليصبح أكثر ليونة وترابطاً. إنها دعوة لاستكشاف عالم جديد من النكهات، حيث تلتقي تقاليد المطبخ الشرقي بلمسة عصرية مبتكرة، لتقدم لنا طبقاً حلواً يمكن أن ينافس أروع أنواع الحلويات العالمية.

### تاريخ موجز للبسبوسة وتطورها

قبل الغوص في تفاصيل إعداد البسبوسة بالجبنة، من المفيد أن نلقي نظرة سريعة على تاريخ هذه الحلوى العريقة. يُعتقد أن أصول البسبوسة تعود إلى العصور القديمة، حيث كانت تُعرف في مصر القديمة باسم “الحلوا”. ومع مرور الزمن، انتقلت وصفاتها وتطورت عبر مختلف الحضارات في المنطقة العربية، لتكتسب أسماء ونكهات مختلفة. البسبوسة، كما نعرفها اليوم، تحمل بصمات المطبخ العثماني الذي أثرى المطبخ الشرقي بالعديد من الحلويات الشهية.

تطورت البسبوسة عبر القرون، حيث أضيفت إليها مكونات مثل المكسرات، الفواكه المجففة، والبهارات المختلفة. لكن إدخال الجبن يعتبر من أحدث الإضافات وأكثرها جرأة. هذه الجرأة في المزج بين الحلو والمالح، بين قوام السميد الطري وذاب الجبن، هو ما يميز البسبوسة بالجبنة ويجعلها طبقاً يستحق التجربة.

### المكونات الأساسية للبسبوسة بالجبنة: سر التوازن المثالي

لإعداد بسبوسة جبنة ناجحة، نحتاج إلى فهم دقيق للمكونات ودور كل منها في إنجاح الوصفة. التحدي الرئيسي هنا هو تحقيق التوازن بين حلاوة الشربات، وطعم الجبن، وقوام البسبوسة.

#### مكونات عجينة البسبوسة:

السميد: هو المكون الرئيسي الذي يمنح البسبوسة قوامها المميز. يُفضل استخدام السميد الخشن أو المتوسط، حيث يمنح البسبوسة قواماً متماسكاً ولذيذاً.
الزبدة أو السمن: تُضفي الزبدة أو السمن طراوة ونكهة غنية على عجينة البسبوسة، وتساعد على تماسكها. يُفضل استخدام زبدة ذات جودة عالية للحصول على أفضل نكهة.
السكر: يُستخدم لإضفاء الحلاوة المطلوبة على البسبوسة.
الزبادي أو اللبن الرائب: يساهم في ترطيب العجينة ومنحها قواماً طرياً، كما أنه يساعد على تنشيط الخميرة إذا كانت مستخدمة.
الحليب: يُستخدم لضبط قوام العجينة وتسهيل عملية الخلط.
بيكنج بودر: يساعد على انتفاخ البسبوسة وجعلها هشة وخفيفة.
الفانيليا: تُستخدم لإضافة نكهة عطرية مميزة.
جوز الهند المبشور (اختياري): يضيف نكهة وقواماً إضافياً للبسبوسة.

#### مكونات حشوة الجبن:

الجبن: هو العنصر الأساسي الذي يميز هذه الوصفة. يُفضل استخدام أنواع من الجبن التي تذوب جيداً ولا تكون مالحة جداً. جبنة الموزاريلا، أو جبنة قريش (بعد تصفيتها جيداً من الماء للتخلص من الملوحة الزائدة)، أو مزيج من الأجبان مثل الفيتا الخفيفة الممزوجة مع الموزاريلا، هي خيارات ممتازة. يجب التأكد من أن الجبن له قدرة على الذوبان ليمنح البسبوسة قواماً مطاطياً ولذيذاً.
القشطة أو الكريمة: تُضاف لإضفاء طراوة إضافية على حشوة الجبن وجعلها متماسكة.

#### مكونات الشربات (قطر):

السكر: هو المكون الأساسي للشربات.
الماء: يُستخدم لإذابة السكر وتكوين الشراب.
عصير الليمون: يُضاف لمنع تبلور السكر وضمان قوام شراب سلس.
ماء الزهر أو ماء الورد: يُضاف لإضفاء رائحة عطرية مميزة على الشربات، وهي لمسة تقليدية تزيد من جمال الحلوى.

### طريقة التحضير: خطوات نحو التميز

تحضير البسبوسة بالجبنة يتطلب دقة في الخطوات لضمان الحصول على النتيجة المثالية. تكمن أهمية الوصفة في التفاصيل الصغيرة التي تحدث فرقاً كبيراً في الطعم والقوام.

#### المرحلة الأولى: إعداد عجينة البسبوسة

1. خلط المكونات الجافة: في وعاء كبير، امزج السميد، السكر، البيكنج بودر، وجوز الهند (إذا استخدم).
2. إضافة الزبدة: أضف الزبدة المذابة أو السمن إلى خليط السميد. ابدأ بفرك المكونات بأطراف أصابعك حتى يتغلف السميد بالدهن تماماً. هذه الخطوة أساسية لمنح البسبوسة قوامها الهش والمتفتت.
3. إضافة المكونات السائلة: أضف الزبادي أو اللبن الرائب، الحليب، والفانيليا. امزج المكونات بلطف حتى تتكون لديك عجينة متماسكة ولكنها لا تزال طرية. تجنب العجن الزائد، فذلك قد يجعل البسبوسة قاسية.
4. ترك العجينة لترتاح: غطِ الوعاء واترك العجينة لترتاح لمدة 30 دقيقة على الأقل. هذه الفترة تسمح للسميد بامتصاص السوائل، مما يمنحها القوام المثالي.

#### المرحلة الثانية: تحضير حشوة الجبن

1. تحضير الجبن: إذا كنت تستخدم جبنة قريش، تأكد من تصفيتها جيداً للتخلص من الماء الزائد. قم بهرس الجبن قليلاً.
2. مزج الجبن مع القشطة: في وعاء آخر، اخلط الجبن مع القشطة أو الكريمة. يمكنك إضافة قليل من السكر إذا رغبت في تعزيز الحلاوة، ولكن كن حذراً كي لا تطغى الحلاوة على طعم الجبن.
3. إضافة المنكهات: يمكن إضافة قليل من ماء الزهر أو الورد إلى خليط الجبن لإضفاء نكهة مميزة.

#### المرحلة الثالثة: تجميع البسبوسة وخبزها

1. تسخين الفرن: سخّن الفرن مسبقاً على درجة حرارة 180 درجة مئوية.
2. دهن الصينية: ادهن صينية خبز بالزبدة أو السمن.
3. وضع طبقة العجين الأولى: افرد نصف كمية عجينة البسبوسة في قاع الصينية، وحاول توزيعها بالتساوي. يمكنك ترطيب يديك بالماء لتسهيل عملية الفرد.
4. وضع حشوة الجبن: وزّع حشوة الجبن فوق طبقة العجين الأولى، وحاول أن تبقيها بعيدة عن الأطراف قليلاً لتجنب خروجها أثناء الخبز.
5. وضع طبقة العجين الثانية: افرد النصف المتبقي من عجينة البسبوسة فوق حشوة الجبن. اضغط برفق لتتماسك الطبقات.
6. التقطيع والتزيين: قبل إدخال الصينية إلى الفرن، قم بتقطيع البسبوسة إلى مربعات أو معينات. يمكنك تزيين كل قطعة بحبة لوز أو فستق.
7. الخبز: اخبز البسبوسة في الفرن المسخن لمدة 25-35 دقيقة، أو حتى يصبح لونها ذهبياً وتتماسك الحواف.

#### المرحلة الرابعة: إعداد الشربات وسقي البسبوسة

1. تحضير الشربات: في قدر على نار متوسطة، اخلط السكر والماء. حرك المكونات حتى يذوب السكر تماماً.
2. الغليان: اترك الخليط ليغلي. بعد الغليان، أضف عصير الليمون واتركه ليغلي لمدة 5-7 دقائق أخرى.
3. إضافة المنكهات: ارفع القدر عن النار وأضف ماء الزهر أو ماء الورد.
4. سقي البسبوسة: فور خروج البسبوسة من الفرن، وهي ساخنة، اسقها بالشربات الساخن. تأكد من توزيع الشربات بالتساوي على جميع القطع.
5. التغطية والراحة: غطِ الصينية واترك البسبوسة لتتشرب الشربات تماماً لمدة لا تقل عن ساعتين، ويفضل تركها حتى تبرد تماماً. هذه الخطوة ضرورية جداً لضمان أن البسبوسة تصبح طرية ورطبة.

### نصائح لعمل بسبوسة جبنة مثالية

نوع الجبن: اختيار الجبن المناسب هو مفتاح النجاح. تجنب الأجبان المالحة جداً أو التي لا تذوب.
درجة حرارة الفرن: تأكد من أن درجة حرارة الفرن مناسبة، فالخبز الزائد قد يؤدي إلى جفاف البسبوسة، والخبز غير الكافي قد يجعلها عجينة.
الشربات: يجب أن يكون الشربات دافئاً عند سقي البسبوسة الساخنة، أو بارداً عند سقي البسبوسة الباردة. الخيار التقليدي هو سقي البسبوسة الساخنة بالشربات الساخن.
وقت الراحة: لا تستعجل في تناول البسبوسة. تركها لتتشرب الشربات وتبرد سيمنحها الطعم والقوام المثاليين.
التنويع: يمكنك إضافة بعض المكسرات المفرومة، مثل الفستق الحلبي أو اللوز، إلى طبقة الجبن أو رشها على الوجه بعد سقي الشربات.

### فوائد البسبوسة بالجبنة: متعة لا تضاهى

البسبوسة بالجبنة ليست مجرد حلوى لذيذة، بل تقدم تجربة حسية فريدة. المذاق الحلو الذي يختلط مع المذاق المالح قليلاً للجبن يخلق توازناً رائعاً يرضي جميع الأذواق. قوامها الطري والمتشرب للشربات، مع وجود الجبن الذائب في المنتصف، يجعل كل لقمة رحلة ممتعة.

من الناحية الغذائية، تحتوي البسبوسة على الكربوهيدرات من السميد والسكر، والتي توفر الطاقة. إضافة الجبن توفر بعض البروتينات والكالسيوم. ومع ذلك، يجب تناولها باعتدال كأي حلوى أخرى.

### تقديم البسبوسة بالجبنة: لمسة جمالية

تُقدم البسبوسة بالجبنة غالباً دافئة قليلاً أو في درجة حرارة الغرفة. يمكن تزيينها بالفستق الحلبي المطحون، أو بعض شرائح اللوز المحمص، أو حتى القليل من القشطة الطازجة. إنها مثالية كختام لوجبة عشاء فاخرة، أو كطبق حلو يرافق كوباً من الشاي أو القهوة.

في الختام، تعد البسبوسة بالجبنة مثالاً رائعاً على كيفية تطوير الوصفات التقليدية وإضافة لمسات مبتكرة إليها. إنها حلوى تجمع بين الأصالة والحداثة، وتقدم تجربة طعام لا تُنسى لعشاق الحلويات الشرقية.