تجربتي مع طريقة فتل المفتول علا طاشمان: هذه الوصفة السحرية التي أثبتت جدواها — جربوها وسوف تشعرون بالفرق!
فن المفتول على الطاشمان: رحلة عبر أصالة المطبخ الفلسطيني
يعتبر المفتول، بشتى أشكاله وتسمياته، أحد أبرز رموز المطبخ الفلسطيني، وهو طبق يحمل في طياته تاريخاً عريقاً وقصصاً متوارثة عبر الأجيال. وبينما تتعدد طرق إعداده، يبرز “المفتول على الطاشمان” كأحد الأساليب الأكثر تميزاً وشهرة، والذي يتطلب دقة وصبراً ومهارة لا يتقنها إلا القليل. هذا الطبق ليس مجرد وجبة، بل هو احتفال بالتراث، وتجسيد للوحدة الأسرية، وفرصة لتلاقي الأحباء حول مائدة عامرة بالخير والبركة. إنها رحلة استكشافية في قلب المطبخ الفلسطيني، نتعمق فيها في تفاصيل إعداد المفتول على الطاشمان، ونكشف أسراره، ونستعرض جوانبه الثقافية والاجتماعية.
ما هو المفتول على الطاشمان؟
قبل الغوص في تفاصيل طريقة الإعداد، من الضروري فهم ماهية “الطاشمان” في سياق المفتول. الطاشمان، أو ما يعرف أحياناً بالمرقة أو الصلصة، هو ذلك السائل الغني والنكهي الذي يُطهى فيه المفتول، والذي يختلف عن الطرق الأخرى التي قد تعتمد على البخار فقط. في طريقة الطاشمان، يتم طهي كرات المفتول الصغيرة (البرغل المعجون والمشكل) مباشرة في مرقة ساخنة، مما يمنحها قواماً فريداً وطعماً عميقاً وغنياً. هذه المرقة عادة ما تكون محضرة من لحم (غالباً لحم الغنم أو الدجاج) والخضروات، وتُضاف إليها البهارات التي تمنح الطبق نكهته المميزة.
المكونات الأساسية: حجر الزاوية في نجاح الطاشمان
لتحضير مفتول ناجح على الطاشمان، نحتاج إلى مكونات طازجة وعالية الجودة. تختلف الوصفات قليلاً من عائلة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، ولكن هناك أساسيات لا غنى عنها:
أولاً: مكونات عجينة المفتول
البرغل الخشن: هو المكون الأساسي لعجينة المفتول. يجب أن يكون البرغل ذو جودة عالية، خالياً من الشوائب.
الدقيق: يُضاف الدقيق لمساعدة البرغل على التماسك وتسهيل عملية الفتل.
الماء: يُستخدم لبل البرغل وتكوين العجينة.
الملح: لتعزيز النكهة.
ثانياً: مكونات مرقة الطاشمان
اللحم: غالباً ما يستخدم لحم الغنم (قطع مع العظم) أو لحم الدجاج. يمنح اللحم المرقة غنى ونكهة لا تضاهى.
الخضروات:
البصل: أساسي لإضفاء النكهة الحلوة والعميقة للمرقة.
الحمص: يُضاف الحمص المجفف (بعد نقعه) أو الحمص المعلب لإعطاء قوام إضافي ونكهة مكسرات مميزة.
الكوسا: تُقطع إلى قطع كبيرة وتُطهى في المرقة لتصبح طرية وغنية بالنكهة.
البطاطا: تُقطع إلى قطع كبيرة وتُطهى بنفس طريقة الكوسا.
اليقطين (القرع العسلي): في بعض المناطق، يُضاف اليقطين لإضفاء حلاوة ولون مميز للمرقة.
الملفوف (الكرنب): يُضاف أحياناً لإعطاء نكهة ورائحة فريدة.
البهارات:
الكمون: أساسي في معظم وصفات المفتول، يمنح نكهة مميزة.
الكزبرة المطحونة: تضيف بعداً آخر للنكهة.
الفلفل الأسود: للتحكم في حدة النكهة.
البهارات المشكلة (بهارات المفتول): وهي مزيج سري غالباً ما تحتفظ به العائلات، وقد تشمل القرفة، الهيل، القرنفل، والبهارات الأخرى.
الكركم (أحياناً): لإضفاء لون ذهبي جميل على المرقة.
زيت الزيتون أو السمن: لإضافة غنى ونكهة.
خطوات إعداد المفتول على الطاشمان: فن يتوارث
إن عملية إعداد المفتول على الطاشمان تتطلب صبراً ووقتاً، وهي غالباً ما تكون عملاً جماعياً يشارك فيه أفراد الأسرة، مما يجعلها تجربة اجتماعية بامتياز.
المرحلة الأولى: تحضير عجينة المفتول (الفتل)
هذه هي المرحلة الأكثر تميزاً وشهرة في تحضير المفتول.
1. بل البرغل: يُغسل البرغل الخشن ويُصفى جيداً، ثم يُوضع في وعاء كبير. يُرش البرغل بالماء تدريجياً مع التحريك المستمر حتى يمتص الماء ويصبح رطباً قليلاً.
2. إضافة الدقيق والملح: يُضاف الدقيق والملح إلى البرغل المبلل. تبدأ عملية “الفتل” اليدوي، وهي فرك البرغل والدقيق بين راحتي اليدين بحركات دائرية وسريعة. الهدف هو تغليف حبيبات البرغل بطبقة رقيقة من الدقيق، مما يشكل كرات صغيرة متجانسة.
3. الاستمرار في الفتل: تستمر هذه العملية لساعات، وقد تحتاج إلى إضافة كميات قليلة إضافية من الدقيق أو الماء حسب الحاجة. الهدف هو الوصول إلى حجم حبيبات المفتول المرغوب، والذي يشبه حبات الأرز الصغيرة أو أكبر قليلاً.
4. التنخيل: بعد الانتهاء من الفتل، يُنخل البرغل المشكل عبر مصفاة ذات ثقوب واسعة للتخلص من أي تكتلات كبيرة أو فتات دقيق زائد.
5. التجفيف: يُفرد المفتول المشكل على قطعة قماش نظيفة في مكان مظلل وجيد التهوية ليجف قليلاً، مما يمنع التصاقه ببعضه البعض عند الطهي.
المرحلة الثانية: تحضير مرقة الطاشمان
بينما يجف المفتول، تبدأ مرحلة تحضير المرقة الغنية.
1. تحمير اللحم: في قدر كبير، يُسخن القليل من زيت الزيتون أو السمن، ثم تُضاف قطع اللحم وتُحمر من جميع الجهات حتى تأخذ لوناً ذهبياً. هذا يضيف عمقاً للنكهة.
2. إضافة البصل والبهارات: يُضاف البصل المفروم ويُقلب مع اللحم حتى يذبل. ثم تُضاف البهارات الأساسية مثل الكمون، الكزبرة، الفلفل الأسود، والقرفة. تُقلب البهارات مع اللحم والبصل لمدة دقيقة لإطلاق روائحها.
3. إضافة الماء والحمص: يُغمر اللحم بالماء الساخن، وتُضاف حبات الحمص المنقوعة. تُترك المرقة لتغلي، ثم تُخفض الحرارة وتُغطى القدر.
4. طهي اللحم والخضروات: تُترك المرقة لتغلي على نار هادئة لمدة ساعة إلى ساعة ونصف، أو حتى ينضج اللحم تقريباً. في منتصف هذه الفترة، تُضاف الخضروات المقطعة (الكوسا، البطاطا، اليقطين، الملفوف إن استخدم). تُترك الخضروات لتنضج في المرقة.
المرحلة الثالثة: طهي المفتول في مرقة الطاشمان
هذه هي المرحلة التي يكتسب فيها المفتول نكهته المميزة.
1. تسخين المرقة: قبل إضافة المفتول، يجب أن تكون المرقة ساخنة جداً.
2. إضافة المفتول: تُضاف كمية من المفتول المشكل إلى المرقة الساخنة. لا تُغطى الكمية كلها بالمرقة، بل يجب أن تكون هناك كمية كافية من المرقة لتغطية المفتول بشكل معقول.
3. التقليب المستمر: تُقلب كرات المفتول برفق وبشكل مستمر في المرقة لمنع التصاقها ببعضها البعض أو بقاع القدر. هذه الخطوة تتطلب اهتماماً خاصاً.
4. التشرب والطهي: يُترك المفتول ليُشرب من المرقة ويُطهى فيها على نار هادئة. تستغرق هذه العملية حوالي 20-30 دقيقة، أو حتى يصبح المفتول طرياً وينضج تماماً. قد تحتاج إلى إضافة القليل من الماء الساخن إذا جفت المرقة بشكل كبير.
5. التأكد من النضج: تُرفع بعض حبات المفتول وتُفحص للتأكد من طراوتها واستوائها.
التقديم: لوحة فنية على المائدة
بمجرد أن ينضج المفتول وتصبح المرقة غنية بالنكهة، يأتي وقت التقديم.
الطبقة الأساسية: يُوضع المفتول المطبوخ في طبق تقديم كبير وعميق.
توزيع اللحم والخضروات: تُوزع قطع اللحم والخضروات المطبوخة فوق المفتول.
صب المرقة: تُسكب كمية وفيرة من المرقة الغنية فوق المفتول واللحم والخضروات.
التزيين (اختياري): يمكن تزيين الطبق بالبقدونس المفروم أو اللوز المقلي أو الصنوبر المحمص لإضافة لمسة جمالية ونكهة إضافية.
التقديم الساخن: يُقدم المفتول على الطاشمان ساخناً، وغالباً ما يُؤكل بالملعقة أو اليدين.
جوانب ثقافية واجتماعية للمفتول على الطاشمان
لا يقتصر المفتول على الطاشمان على كونه مجرد وصفة طعام، بل هو ظاهرة ثقافية واجتماعية عميقة الجذور في المجتمع الفلسطيني.
رمز الكرم والضيافة: يُعتبر تقديم المفتول، وخاصة في المناسبات، دليلاً على الكرم والترحيب بالضيوف. فهو طبق يتطلب جهداً ووقتًا، وتقديمه يعكس تقدير المضيف لضيوفه.
تجمع العائلة: غالباً ما تُعد وجبة المفتول في أيام العطلات والمناسبات العائلية. إن عملية فتل المفتول نفسها غالباً ما تكون فرصة لتجمع أفراد العائلة، حيث يتعاون الكبار والصغار في هذه المهمة الممتعة.
تنوع المناطق: لكل منطقة في فلسطين بصمتها الخاصة في تحضير المفتول. قد تختلف أنواع البهارات، أو الخضروات المستخدمة، أو حتى طريقة تقديم المرقة، مما يعكس التنوع الثقافي الغني للبلاد.
تراث حي: المفتول هو أكثر من مجرد وصفة، إنه جزء من الهوية الوطنية والتراث الثقافي الذي يتم نقله من جيل إلى جيل. إن إتقان هذه الوصفة هو بمثابة الحفاظ على جزء ثمين من الذاكرة الجماعية.
علاقة بالطقس: غالباً ما يرتبط تقديم المفتول بالأيام الباردة أو فصول الشتاء، حيث توفر المرقة الساخنة والغنية شعوراً بالدفء والراحة.
أسرار ونصائح لفتل مفتول ناجح على الطاشمان
لتحقيق أفضل النتائج، يمكن اتباع بعض النصائح والأسرار التي يتقاسمها طهاة المفتول المحترفون:
جودة البرغل: استخدم برغلاً خشناً ذو جودة عالية. البرغل الناعم قد يتفتت بسهولة.
الصبر في الفتل: لا تستعجل في عملية الفتل. كلما زاد الوقت والجهد المبذول في الفتل، كلما كانت حبيبات المفتول أكثر تماسكاً وتجانساً.
التحكم في الرطوبة: انتبه جيداً لكمية الماء والدقيق المضافة أثناء الفتل. يجب أن تكون العجينة رطبة بما يكفي لتتماسك، ولكن ليست لزجة لدرجة يصعب التعامل معها.
نكهة المرقة: لا تبخل بالبهارات الجيدة. قم بتذوق المرقة وتعديل البهارات حسب الذوق قبل إضافة المفتول.
التقليب المستمر: هذه هي أهم خطوة عند طهي المفتول في المرقة. التقليب المستمر يمنع الالتصاق ويضمن طهي المفتول بشكل متساوٍ.
استخدام مرقة غنية: كلما كانت المرقة أغنى وألذ، كلما كان المفتول أشهى. تأكد من طهي اللحم والخضروات بشكل جيد للحصول على أقصى نكهة.
التجربة والتعديل: لا تخف من تجربة تعديلات بسيطة على الوصفة. قد تجد أن إضافة القليل من الطماطم المعجونة للمرقة، أو استخدام نوع مختلف من اللحم، يضيف نكهة مميزة.
خاتمة: المفتول على الطاشمان، نكهة لا تُنسى
في ختام هذه الرحلة الممتعة في عالم المفتول على الطاشمان، ندرك أن هذا الطبق هو أكثر من مجرد مكونات ووصفات. إنه قصة شعب، وتعبير عن ثقافة غنية، وتجسيد لقيم الضيافة والكرم. إن إتقان فن فتل المفتول على الطاشمان هو استثمار في التراث، ورابطة قوية تربط الأجيال، ونكهة تدوم في الذاكرة للأبد. سواء كنت تطبخه في منزلك أو تستمتع به في مطعم فلسطيني أصيل، فإن المفتول على الطاشمان يظل تجربة طعام فريدة وشهية، تحمل معها عبق التاريخ وحلاوة الأصالة.
