بلح الشام بالدقيق السميد: رحلة مذاق أصيل إلى قلب الحلويات الشرقية
تُعدّ الحلويات الشرقية كنزًا دفينًا من النكهات والروائح التي تُسحر الحواس وتُعيدنا إلى ذكريات دافئة. ومن بين هذه الكنوز، يبرز بلح الشام كواحد من أشهر وألذّ ما تُقدمه المطابخ العربية، وخاصةً في بلاد الشام ومصر. ورغم أن الوصفة التقليدية تعتمد على الدقيق الأبيض، إلا أن استخدام الدقيق السميد يُضفي على بلح الشام قوامًا مميزًا وقرمشة إضافية، مع نكهة غنية تُثري التجربة. إن تحضير بلح الشام بالسميد ليس مجرد وصفة، بل هو رحلة ممتعة في عالم النكهات الأصيلة، تتطلب بعض الدقة والصبر، ولكن النتيجة تستحق كل هذا العناء.
لماذا بلح الشام بالدقيق السميد؟
يُقدم الدقيق السميد، أو دقيق القمح الصلب، فوائد عديدة عند استخدامه في تحضير بلح الشام. أولاً، يمنح العجينة قوامًا أكثر تماسكًا، مما يجعل تشكيل بلح الشام أسهل ويُحافظ على شكله أثناء القلي. ثانيًا، عند القلي، يُكسب السميد بلح الشام قرمشة خارجية رائعة تدوم لفترة أطول، مقارنةً بتلك المصنوعة من الدقيق الأبيض فقط. ثالثًا، يُضفي السميد نكهة خفيفة ومميزة تختلف عن النكهة المعتادة، مما يمنح بلح الشام طعمًا جديدًا ومثيرًا للاهتمام. هذه الخصائص تجعل بلح الشام بالسميد خيارًا مفضلاً للكثيرين ممن يبحثون عن تجربة مختلفة ومُرضية.
المكونات الأساسية لبلح الشام بالسميد: نظرة تفصيلية
لتحضير بلح الشام بالسميد، نحتاج إلى مجموعة من المكونات البسيطة والمتوفرة في كل منزل. تتجلى براعة هذه الوصفة في قدرتها على تحويل هذه المكونات الأساسية إلى حلوى استثنائية.
مكونات العجينة:
الدقيق السميد: هو المكون الأساسي الذي يُميز هذه الوصفة. يُفضل استخدام السميد الناعم أو المتوسط الخشونة للحصول على أفضل قوام. يُمكن استخدامه وحده أو ممزوجًا مع كمية قليلة من الدقيق الأبيض لتحقيق توازن مثالي في القوام.
الدقيق الأبيض (اختياري): إضافة كمية قليلة من الدقيق الأبيض يمكن أن تُساعد في ربط المكونات وتمنح العجينة ليونة إضافية.
الماء: هو السائل الذي يُساعد على تكوين العجينة. يجب أن يكون الماء دافئًا لضمان ذوبان المكونات الأخرى بشكل صحيح.
الزيت النباتي: يُضاف الزيت إلى الماء أثناء الغليان ليُعطي العجينة طراوة ويمنع التصاقها.
البيض: يُعدّ البيض عنصرًا حيويًا في عجينة بلح الشام، فهو يُساعد على تماسك العجينة وإعطائها القوام المطلوب بعد القلي.
السكر: كمية قليلة من السكر تُضاف إلى العجينة لتعزيز نكهتها ومنحها لونًا ذهبيًا جميلًا أثناء القلي.
الملح: رشة صغيرة من الملح تُعادل حلاوة الحلوى وتُبرز النكهات.
الفانيليا: تُستخدم لإضفاء رائحة عطرة على العجينة وإزالة أي روائح غير مرغوبة من البيض.
مكونات القطر (الشيرة):
السكر: هو المكون الرئيسي للقطر.
الماء: يُستخدم لإذابة السكر وتكوين الشراب.
عصير الليمون: يُضاف عصير الليمون لمنع تبلور السكر وإعطاء القطر قوامًا سميكًا ولامعًا.
ماء الورد أو ماء الزهر (اختياري): لإضفاء نكهة عطرية مميزة.
خطوات التحضير: فنٌّ يتطلّب الدقة والصبر
إن تحضير بلح الشام بالسميد هو عملية تتطلب اتباع خطوات دقيقة لضمان الحصول على أفضل النتائج. تبدأ الرحلة بتحضير العجينة، مرورًا بالتشكيل والقلي، وصولًا إلى غمرها في القطر الشهي.
أولاً: تحضير العجينة: قلب الوصفة النابض
1. غليان الماء مع الإضافات: في قدر على نار متوسطة، نضع الماء، الزيت النباتي، السكر، والملح. نترك الخليط حتى يغلي تمامًا. هذه الخطوة مهمة جدًا لأن الماء المغلي سيُساعد على طهي الدقيق بسرعة ويُعطي العجينة القوام الصحيح.
2. إضافة الدقيق السميد (والدقيق الأبيض إذا استخدم): فور غليان الماء، نُبعد القدر عن النار قليلًا ونُضيف دفعة واحدة الدقيق السميد (وكمية قليلة من الدقيق الأبيض إذا رغبت). نبدأ بالتقليب بسرعة باستخدام ملعقة خشبية قوية حتى تتكون لدينا عجينة متماسكة تنفصل عن جوانب القدر. هذه المرحلة تُعرف بمرحلة “التطييب” للعجينة، وهي ضرورية لطهي الدقيق جزئيًا.
3. تبريد العجينة: نُعيد القدر إلى نار هادئة جدًا ونستمر في التقليب لمدة دقيقة أو دقيقتين إضافيتين للتأكد من أن العجينة جفت قليلًا. ثم نُفرغ العجينة في وعاء واسع ونتركها لتبرد لمدة 10-15 دقيقة. هذه الخطوة أساسية قبل إضافة البيض، لأن البيض سيُطهى إذا أُضيف إلى عجينة ساخنة، مما يُفسد القوام.
4. إضافة البيض والفانيليا: بعد أن تبرد العجينة قليلًا، نبدأ بإضافة البيض واحدة تلو الأخرى. نضيف البيضة الأولى ونبدأ بالعجن بقوة (يمكن استخدام العجانة الكهربائية هنا لتسهيل العملية) حتى تختفي البيضة تمامًا وتندمج مع العجينة. ثم نضيف البيضة الثانية ونكرر نفس العملية. نستمر هكذا حتى نُضيف جميع البيض. يجب أن تكون العجينة ناعمة، مطاطية، ومتماسكة، وتُشكل خيوطًا عند رفع الملعقة. في حال كانت العجينة لا تزال قاسية جدًا، يمكن إضافة بيضة إضافية بكمية قليلة. نُضيف الفانيليا مع البيضة الأخيرة.
ثانياً: تشكيل بلح الشام: إبداعٌ ينتظر شكله النهائي
تُعدّ مرحلة التشكيل من المراحل الممتعة التي تُظهر لمسة الإبداع في تحضير بلح الشام.
استخدام قمع الحلواني (كيس الكريمة): الطريقة الأكثر شيوعًا والأسهل هي استخدام قمع حلواني مزود بفتحة نجمية (لإعطاء شكل مقلم ومميز). نضع العجينة داخل القمع ونضغط عليها لتخرج بالشكل المطلوب.
التحكم في الحجم: يجب أن تكون قطع بلح الشام بالحجم المناسب، لا كبيرة جدًا حتى تُطهى من الداخل بشكل جيد، ولا صغيرة جدًا حتى لا تحترق بسرعة.
التقطيع: أثناء خروج العجينة من القمع، نستخدم مقصًا أو سكينًا مبللًا بالماء لقطع العجينة بالطول المرغوب. يُفضل أن تكون القطع متساوية قدر الإمكان لضمان نضجها بشكل موحد.
ثالثاً: القلي: لحظة التحول إلى ذهب مقرمش
القلي هو المرحلة التي يتحول فيها بلح الشام من عجينة طرية إلى حلوى مقرمشة وذهبية.
تسخين الزيت: نُسخن كمية وفيرة من الزيت النباتي في قدر عميق على نار متوسطة. يجب أن يكون الزيت ساخنًا ولكن ليس لدرجة الغليان الشديد، لأن ذلك سيُسرّع من تحمير بلح الشام من الخارج ويتركه نيئًا من الداخل.
اختبار حرارة الزيت: يمكن اختبار حرارة الزيت بوضع قطعة صغيرة من العجين، إذا طفت على السطح وبدأت بالتحمير فورًا، فالزيت جاهز.
وضع بلح الشام في الزيت: نضع قطع بلح الشام في الزيت الساخن بحذر، مع عدم ملء القدر بالكامل لتجنب التصاق القطع ببعضها البعض ولضمان طهيها بشكل متساوٍ.
التقليب المستمر: فور وضع بلح الشام في الزيت، نبدأ بالتقليب بلطف باستخدام ملعقة مثقوبة. الاستمرار في التقليب يُساعد على توزيع الحرارة بشكل متساوٍ ويمنع تكون قشرة غير متساوية.
اللون الذهبي المثالي: نُواصل القلي والتقليب حتى يُصبح بلح الشام بلون ذهبي عميق ومقرمش. هذه المرحلة قد تستغرق حوالي 5-7 دقائق حسب حجم القطع.
التصفية: نرفع بلح الشام المقلي من الزيت باستخدام ملعقة مثقوبة ونضعه على ورق مطبخ لامتصاص الزيت الزائد.
رابعاً: تحضير القطر (الشيرة): اللمسة الحلوة النهائية
القطر هو ما يُضفي على بلح الشام حلاوته المميزة.
إذابة السكر: في قدر، نضع السكر والماء. نُقلب حتى يذوب السكر تقريبًا.
الغليان وإضافة الليمون: نضع القدر على النار ونتركه حتى يغلي. فور الغليان، نضيف عصير الليمون ونتركه يغلي لمدة 5-7 دقائق حتى يثخن القطر قليلًا.
إضافة ماء الورد/الزهر (اختياري): نُبعد القطر عن النار ونُضيف إليه قليلًا من ماء الورد أو ماء الزهر حسب الرغبة.
خامساً: غمر بلح الشام في القطر: لحظة التزاوج الساحر
بعد أن يُقلى بلح الشام ويُصفى من الزيت، نُغمره فورًا في القطر البارد أو الفاتر.
التشريب: نترك بلح الشام في القطر لمدة دقائق قليلة حتى يتشرب الحلاوة ويُصبح لامعًا.
التقديم: نُخرج بلح الشام من القطر ونضعه في طبق التقديم. يُمكن تزيينه بالفستق الحلبي المجروش أو رشة من السمسم المحمص حسب الرغبة.
نصائح إضافية لبلح شام مثالي:
جودة السميد: اختيار نوعية جيدة من السميد السميد الناعم أو المتوسط هو مفتاح النجاح.
درجة حرارة الزيت: الحفاظ على درجة حرارة زيت ثابتة هو سر القرمشة المثالية. إذا كان الزيت باردًا جدًا، سيمتص بلح الشام الكثير من الزيت ويصبح طريًا. وإذا كان ساخنًا جدًا، سيحترق من الخارج ويبقى نيئًا من الداخل.
التقليب المستمر أثناء القلي: لا تتوقف عن التقليب لتوزيع الحرارة وللحصول على لون موحد.
توقيت القطر: غمر بلح الشام الساخن في القطر البارد (أو الفاتر) يُساعد على امتصاص القطر بشكل أفضل ويُعطيه القوام المثالي.
التخزين: يُفضل تناول بلح الشام طازجًا للحصول على أفضل قرمشة. إذا اضطررت لتخزينه، ضعه في علبة محكمة الإغلاق في درجة حرارة الغرفة.
بلح الشام بالسميد: لوحة فنية من المذاق والتقاليد
إن بلح الشام بالدقيق السميد ليس مجرد حلوى، بل هو تجسيدٌ لمهارة الأجداد وإبداعهم في فن الحلويات. كل قضمة منه تُحمل في طياتها قصة من الدفء والاحتفال. استخدام السميد يُضيف بُعدًا جديدًا لهذه القصة، مُقدمًا تجربة حسية غنية تجمع بين القرمشة اللذيذة والنكهة المميزة. إنه طبق يستحق التجربة، سواء كنت من محبي الحلويات التقليدية أو تبحث عن إضافة جديدة إلى قائمة وصفاتك المفضلة. استمتعوا بتحضيره وتذوقه، ودعوا مذاقه الأصيل يُسافر بكم إلى عالم من السعادة.
