بلح الشام المقرمش على طريقة الشيف حسن: سر النكهة والقرمشة المثالية
لطالما كان بلح الشام من الحلويات الشرقية الأصيلة التي تحتل مكانة خاصة في قلوب الكثيرين. تلك القطع الذهبية، التي تفيض حلاوةً وطعماً، تُعدّ ضيفاً مرحباً به على موائد المناسبات والجمعات العائلية. وبينما تتنافس الوصفات وتتعدد الأساليب، يظلّ البحث عن “البلح الشامي المثالي” – المقرمش من الخارج، الطري من الداخل، والشارب للشربات دون أن يصبح ليناً – رحلةً تستحق العناء. وفي هذا السياق، تبرز طريقة الشيف حسن كمرجعٍ موثوقٍ للكثيرين ممن يسعون لإتقان هذه الحلوى الشهية.
إنّ سرّ بلح الشام المقرمش لا يكمن فقط في المكونات، بل في الدقة في التحضير، وفهم التفاعلات الكيميائية والفيزيائية التي تحدث أثناء القلي، والبراعة في التعامل مع العجينة. الشيف حسن، بخبرته الواسعة ورؤيته الثاقبة، يقدم لنا وصفةً متكاملةً لا تترك مجالاً للصدفة، بل تضمن نتيجةً مبهرةً ترضي جميع الأذواق. دعونا نتعمق في تفاصيل هذه الوصفة السحرية، ونكشف عن أسرار الشيف حسن التي تجعل بلح الشام لديه قطعة فنية مذاقها لا يُنسى.
أولاً: المكونات الأساسية – بناء القوام المثالي
تعتمد أي وصفة ناجحة على جودة المكونات ودقتها. في بلح الشام، تلعب المكونات الأساسية دوراً حاسماً في تحديد القوام النهائي، سواء كان ذلك في العجينة نفسها أو في طريقة تحضيرها.
1. الماء: أساس العجينة المتماسكة
يُعدّ الماء المكون السائل الأساسي في عجينة بلح الشام. لكنّ الأمر لا يتوقف عند مجرد إضافة الماء، بل في كيفية إضافته ودرجة غليانه. غالباً ما تبدأ وصفات بلح الشام بغلي الماء، وهذا له سبب وجيه.
تنشيط الدقيق: عند إضافة الدقيق إلى الماء المغلي، يحدث ما يُعرف بـ “الطبخ المبدئي” للدقيق. هذا التفاعل يساعد على بدء عملية تكوين الغلوتين، وهو البروتين المسؤول عن مرونة العجين وقوته.
القوام المتجانس: غلي الماء يساعد على ذوبان أي سكر أو زبدة قد تُضاف، مما يضمن تجانس العجينة وعدم وجود تكتلات.
التبخير السريع: الماء المغلي يتبخر بسرعة أكبر عند التعرض للحرارة العالية أثناء القلي، مما يساهم في تكوين الفراغات الداخلية التي تمنح بلح الشام قرمشته المميزة.
2. الدقيق: اختيار النوع المناسب
نوع الدقيق المستخدم له تأثير مباشر على قوام العجينة. يُفضل دائماً استخدام الدقيق الأبيض متعدد الاستعمالات ذي نسبة بروتين معتدلة.
نسبة البروتين: الدقيق ذو نسبة البروتين المرتفعة قد ينتج عجينة قاسية، بينما الدقيق ذو نسبة البروتين المنخفضة قد يجعلها لينة جداً. الدقيق متعدد الاستعمالات يوفر التوازن المطلوب.
النخل: نخل الدقيق خطوة أساسية لا ينبغي الاستهانة بها. فهي تساعد على تهوية الدقيق وإزالة أي شوائب، مما يضمن سهولة امتزاجه بالسائل وتكون عجينة خفيفة.
3. الزبدة أو الزيت: لإضافة النعومة والنكهة
تُضاف كمية قليلة من الزبدة أو الزيت إلى الماء قبل إضافة الدقيق.
الزبدة: تمنح العجينة نكهة أغنى وقواماً أكثر نعومة.
الزيت: يمنح قرمشة إضافية عند القلي.
التوازن: كمية الزبدة أو الزيت يجب أن تكون محسوبة بدقة، فالزيادة قد تجعل العجينة دهنية جداً وتؤثر على امتصاصها للشربات، بينما النقص قد يؤثر على قوامها.
4. البيض: الربط وإضفاء المرونة
البيض هو المكون الذي يربط مكونات العجينة معاً ويمنحها المرونة المطلوبة لتشكيلها.
فصل الصفار عن البياض: في بعض الوصفات الاحترافية، قد يتم استخدام صفار البيض بشكل منفصل عن البياض، أو قد يتم استخدامه كاملاً. كل طريقة لها تأثيرها على القوام.
درجة حرارة البيض: يُفضل استخدام البيض بدرجة حرارة الغرفة لضمان امتزاجه بشكل أفضل مع العجين.
الكمية: إضافة البيض تدريجياً مع الخفق المستمر ضرورية لتجنب “طهي” البيض بفعل حرارة العجين، وللحصول على عجينة متجانسة وناعمة.
5. قليل من الملح والسكر: لتعزيز النكهة
الملح: يعزز النكهات ويوازن حلاوة بلح الشام.
السكر: بكمية قليلة، يساعد على إعطاء لون ذهبي جميل للعجين أثناء القلي.
ثانياً: تحضير العجينة – فن الدقة والتوقيت
تُعدّ مرحلة تحضير العجينة هي القلب النابض لوصفة بلح الشام. الدقة في الخطوات والتوقيت تلعب دوراً حاسماً في الحصول على النتيجة المرجوة.
1. خطوة غلي الماء وإضافة الدهون
في وعاء عميق على نار متوسطة، يتم غلي الماء مع الزبدة (أو الزيت) وقليل من الملح والسكر. يجب التأكد من ذوبان الزبدة والسكر تماماً قبل الانتقال للخطوة التالية.
2. إضافة الدقيق دفعة واحدة: سر القوام المتماسك
هذه هي الخطوة المفصلية التي تميز طريقة الشيف حسن. بدلاً من إضافة الدقيق تدريجياً، يتم إضافته دفعة واحدة إلى الماء المغلي.
التفاعل السريع: هذا التفاعل السريع يُطهى الدقيق جزئياً، مما يحول الخليط إلى كتلة متماسكة أشبه بالمعجون.
التقليب المستمر: يجب التقليب بسرعة باستخدام ملعقة خشبية قوية لضمان عدم التصاق العجين بالقاع وتوزيعه بشكل متساوٍ.
تكوين طبقة رقيقة: استمر في التقليب على النار لمدة دقيقة أو اثنتين حتى تتكون طبقة رقيقة جداً من العجين تلتصق بقاع القدر. هذه الطبقة تشير إلى تبخر معظم الماء الزائد، وهو أمر حيوي لتجنب ليونة العجين بعد القلي.
3. تبريد العجينة: خطوة لا غنى عنها
بعد إزالة الوعاء عن النار، تُنقل العجينة إلى وعاء آخر لتبرد قليلاً. هذه الخطوة ضرورية لعدة أسباب:
منع طهي البيض: إذا أُضيف البيض إلى العجينة الساخنة جداً، فسوف “ينضج” ويتحول إلى قطع صغيرة، مما يؤثر سلباً على قوام العجينة.
سهولة التعامل: العجينة الدافئة أسهل في العجن والتشكيل من العجينة الساخنة.
فقدان الحرارة الزائدة: يساعد التبريد على تبخر المزيد من الرطوبة، مما يساهم في الحصول على قوام مقرمش.
4. إضافة البيض تدريجياً: بناء المرونة
بعد أن تبرد العجينة وتصبح دافئة وليست ساخنة، نبدأ بإضافة البيض.
بيضة واحدة في كل مرة: تُضاف البيضة الأولى وتُعجن جيداً في العجين حتى تختفي تماماً وتمتزج. يمكن استخدام العجانة الكهربائية أو العجن باليد.
التحقق من القوام: بعد إضافة كل بيضة، يجب تقليب العجين جيداً. الهدف هو الحصول على عجينة ناعمة، لامعة، ومتماسكة، لا تلتصق باليد بشكل مفرط، ولكنها تحتفظ بقوامها.
كمية البيض: قد تحتاج العجينة إلى بيضة إضافية أو أقل حسب درجة رطوبة الدقيق ودرجة حرارة الجو. يجب التوقف عن إضافة البيض عندما تصل العجينة إلى القوام المطلوب.
5. اختبار العجينة: التأكد من جاهزيتها
قبل البدء في تشكيل بلح الشام، يمكن إجراء اختبار بسيط للتأكد من أن العجينة جاهزة. خذ قطعة صغيرة من العجين وحاول تشكيلها. إذا تشكلت بسهولة ولم تتشقق، فهي جاهزة. إذا كانت متفتتة، فقد تحتاج إلى بيضة إضافية. إذا كانت لزجة جداً، فقد تحتاج إلى قليل من الدقيق.
ثالثاً: تشكيل بلح الشام – الدقة والاتساق
تُعدّ عملية تشكيل بلح الشام خطوة إبداعية تتطلب بعض الأدوات والمهارة.
1. الأدوات اللازمة
قمع بلح الشام: وهو قمع معدني أو بلاستيكي بفتحة على شكل نجمة أو دائرة، حسب الشكل المرغوب.
كيس حلواني: ليوضع فيه القمع وتُعبأ العجينة.
مقص أو سكين: لقص العجينة بالحجم المطلوب.
زيت غزير للقلي: يجب أن يكون الزيت بدرجة حرارة مناسبة.
2. تقنيات التشكيل
تعبئة الكيس: تُعجن العجينة قليلاً لتصبح متجانسة، ثم تُعبأ في كيس الحلواني المزود بالقمع.
الضغط والقص: يُضغط على الكيس بخفة لتخرج العجينة، ويُستخدم مقص أو سكين لقص القطع بالحجم المرغوب، مع الحرص على أن تكون القطع متساوية قدر الإمكان لضمان نضجها بشكل متساوٍ.
نصيحة الشيف حسن: يفضل أن تكون القطع متوسطة الحجم. القطع الصغيرة قد تنضج بسرعة وتصبح قاسية جداً، بينما القطع الكبيرة قد لا تنضج من الداخل بشكل كافٍ.
التشكيل في الزيت البارد: إحدى الحيل الهامة هي تشكيل بلح الشام في الزيت البارد أو الفاتر (قبل أن يسخن). بهذه الطريقة، تلتصق العجينة بالزيت ولا تتفكك. بعد تشكيل الكمية المطلوبة، يُرفع مستوى الحرارة تدريجياً.
رابعاً: القلي – سر القرمشة الذهبية
هذه هي المرحلة الحاسمة التي تحدد ما إذا كان بلح الشام سيكون مقرمشاً أم ليناً.
1. درجة حرارة الزيت: العنصر الأهم
الزيت البارد/الفاتر: كما ذكرنا، نبدأ بوضع بلح الشام في زيت بارد أو فاتر. هذا يسمح للعجينة بالتماسك قبل أن تبدأ في الانتفاخ.
التسخين التدريجي: بعد وضع الكمية المناسبة من بلح الشام في القدر، نبدأ بتسخين الزيت تدريجياً على نار متوسطة.
علامات النضج: عندما يبدأ بلح الشام في الطفو على السطح، فهذه علامة على أنه بدأ ينضج.
التحمير الذهبي: يجب الاستمرار في القلي مع التقليب المستمر حتى يأخذ بلح الشام لوناً ذهبياً جميلاً ومتساوياً.
2. التقليب المستمر: لضمان التساوي
التقليب المستمر أثناء القلي ضروري لضمان اكتساب جميع قطع بلح الشام لوناً ذهبياً متساوياً. هذا يمنع احتراق قطعة وتكتل أخرى.
3. تجنب تكديس القدر
لا تملأ القدر بكمية كبيرة من بلح الشام دفعة واحدة. هذا يؤدي إلى انخفاض درجة حرارة الزيت بسرعة، مما يجعل بلح الشام يمتص الكثير من الزيت ويصبح ليناً. قلي كميات صغيرة في كل مرة يضمن الحصول على أفضل النتائج.
4. إخراج بلح الشام من الزيت
عندما يصل بلح الشام إلى اللون الذهبي المطلوب، يُرفع من الزيت باستخدام مصفاة ويُصفى جيداً للتخلص من الزيت الزائد.
خامساً: الشربات (القطر) – الإضافة الحلوة
الشربات هو الرفيق المثالي لبلح الشام المقرمش.
1. مكونات الشربات الأساسية
سكر: المكون الأساسي.
ماء: لتذويب السكر.
عصير ليمون: لمنع تبلور السكر وإعطاء قوام متماسك للشربات.
منكهات (اختياري): ماء زهر أو ماء ورد لإضافة رائحة عطرية مميزة.
2. طريقة تحضير الشربات
النسبة: تُستخدم عادة نسبة 2:1 من السكر إلى الماء، مع إضافة ملعقة أو ملعقتين كبيرتين من عصير الليمون.
الغليان: يُغلى السكر والماء معاً حتى يذوب السكر تماماً.
الإضافة: يُضاف عصير الليمون ويُترك المزيج ليغلي لمدة 5-7 دقائق حتى يتكاثف قليلاً.
التبريد: يُترك الشربات ليبرد تماماً.
3. شرب بلح الشام بالشربات
بلح الشام الساخن والشربات البارد: هذه هي الطريقة المثلى لضمان أن يمتص بلح الشام الشربات بشكل مثالي دون أن يصبح ليناً.
النقع: تُغمر قطع بلح الشام الساخنة مباشرة بعد القلي في الشربات البارد لمدة دقيقة أو اثنتين، مع التقليب لضمان تغطية جميع القطع.
التصفية: تُرفع قطع بلح الشام من الشربات وتُصفى جيداً.
سادساً: نصائح إضافية من الشيف حسن لبلح شام مثالي
جودة المكونات: استخدم دائماً مكونات طازجة وذات جودة عالية.
عدم الاستعجال: بلح الشام يتطلب صبراً ودقة في كل خطوة.
تخزين بلح الشام: يُحفظ بلح الشام في وعاء محكم الإغلاق في درجة حرارة الغرفة. لا يُفضل حفظه في الثلاجة لأنه قد يفقد قرمشته.
التنويع: يمكن إضافة نكهات مختلفة للشربات مثل القرفة أو الهيل لإضفاء لمسة خاصة.
التزيين: يمكن تزيين بلح الشام بالفستق الحلبي المطحون أو جوز الهند المبشور حسب الرغبة.
السر في الهواء: ترك العجينة لترتاح وتبرد جيداً يسمح للهواء بالدخول إليها، مما يساعد على انتفاخها وقرمشتها بعد القلي.
إنّ إتقان طريقة عمل بلح الشام المقرمش للشيف حسن ليس مجرد اتباع وصفة، بل هو فهم عميق لأساسيات الطهي. من خلال الدقة في اختيار المكونات، والبراعة في تحضير العجينة، والتحكم الدقيق في درجة حرارة القلي، يمكن لأي شخص أن يقدم بلح شام لا يقل جودة عن أشهر محلات الحلويات. إنها رحلة لذيذة إلى عالم النكهات والقوام المثالي، تستحق كل دقيقة تُبذل فيها.
