فن إعداد بلح الشام المقرمش الأصيل: سر النكهة والقرمشة بدون الاعتماد على النشا
بلح الشام، تلك الحلوى الشرقية العريقة، التي تثير ذكريات الطفولة وتبعث البهجة في النفوس. لطالما ارتبط اسمها بالأجواء الاحتفالية والمناسبات السعيدة، وصوت قرمشتها المميزة هو ما يميزها عن غيرها من الحلويات. ولكن، قد يواجه البعض صعوبة في تحقيق تلك القرمشة المثالية، وغالباً ما يلجأون إلى إضافة النشا كوسيلة مساعدة. في هذا الدليل الشامل، سنغوص في أعماق أسرار تحضير بلح الشام المقرمش الأصيل، مع التركيز على تحقيق هذه القرمشة الرائعة دون الحاجة إلى النشا، بل بالاعتماد على تقنيات ومكونات أساسية تمنحه تلك الهشاشة والنكهة الفريدة التي نحبها.
فهم جوهر بلح الشام: ما الذي يجعله مميزاً؟
قبل الخوض في تفاصيل الوصفة، من المهم أن نفهم المكونات الأساسية والتفاعلات التي تحدث أثناء إعداده. بلح الشام هو في جوهره عبارة عن عجينة تُخبز أو تُقلى ثم تُغمس في شراب سكري كثيف. تتكون العجينة عادةً من الماء، السمن أو الزبدة، الدقيق، البيض، والفانيليا. أما السر في القرمشة، فهو يعود إلى عدة عوامل مجتمعة: نسبة الماء إلى الدقيق، طريقة طهي العجينة، طريقة القلي، ودرجة حرارة الشراب السكري.
لماذا نتجنب النشا في بلح الشام؟
قد يرى البعض في النشا حلاً سهلاً وسريعاً للحصول على قرمشة، إلا أن الإفراط في استخدامه أو استخدامه بشكل غير صحيح قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة. فالنشا، عند تسخينه، يمتص الرطوبة ويشكل قواماً هلامياً، وهذا قد يؤثر على القوام النهائي لبلح الشام، ويجعله أحياناً قاسياً بدلاً من أن يكون مقرمشاً وهشاً. كما أن الاعتماد على النشا قد يخفي بعض الأسرار الأساسية في تحضير العجينة التي تمنحها قوامها الصحيح من البداية. هدفنا هنا هو استخلاص القرمشة الطبيعية من خلال المكونات والتقنيات الصحيحة.
المكونات الأساسية لبلح الشام المقرمش الأصيل (بدون نشا)
لتحقيق أفضل النتائج، يجب أن نحرص على اختيار مكونات عالية الجودة واتباع النسب الدقيقة.
مكونات العجينة:
الماء: هو المكون السائل الأساسي الذي يساهم في تليين الدقيق وتكوين العجينة. استخدام الماء البارد أو الفاتر يلعب دوراً هاماً في عملية التسخين اللاحقة.
السمن أو الزبدة: يمنح السمن أو الزبدة العجينة غنى ونكهة، كما أنه يلعب دوراً في تكوين طبقة خارجية مقرمشة عند القلي. السمن البلدي يضفي نكهة مميزة جداً.
الدقيق: هو المكون الهيكلي الأساسي. يُفضل استخدام الدقيق الأبيض متعدد الاستخدامات ذي الجودة العالية.
البيض: يلعب البيض دوراً حيوياً في ربط مكونات العجينة، إضافة القيمة الغذائية، والمساهمة في اللون الذهبي الجميل عند القلي.
الفانيليا: لإضفاء رائحة عطرية ونكهة محببة. يمكن استخدام مستخلص الفانيليا السائل أو بودرة الفانيليا.
رشة ملح: لتعزيز النكهة وإبراز حلاوة الشراب لاحقاً.
مكونات الشراب السكري (الشربات):
السكر: هو المكون الرئيسي للشراب.
الماء: لتذويب السكر وتكوين الشراب.
عصير الليمون: ضروري لمنع تبلور السكر وضمان قوام شراب ناعم ومتجانس.
ماء الزهر أو ماء الورد (اختياري): لإضافة لمسة عطرية مميزة.
خطوات تفصيلية لإعداد بلح الشام المقرمش: الدليل العملي
التحضير الدقيق هو مفتاح النجاح. سنقسم العملية إلى مراحل واضحة لضمان حصولك على أفضل النتائج.
المرحلة الأولى: تحضير العجينة السحرية
هذه المرحلة هي قلب عملية تحضير بلح الشام، حيث نُعطي العجينة قوامها الأولي الذي سيؤثر على قرمشتها النهائية.
1. تسخين الماء والسمن:
في قدر مناسب على نار متوسطة، نضع كمية الماء المحددة مع السمن أو الزبدة ورشة الملح.
نترك الخليط حتى يبدأ بالغليان. هذه الخطوة مهمة جداً لأنها تضمن ذوبان السمن تماماً وتكون العجينة متجانسة لاحقاً.
2. إضافة الدقيق و”طبخ” العجينة:
بمجرد أن يبدأ الماء في الغليان، نرفع القدر عن النار فوراً.
نضيف كمية الدقيق دفعة واحدة.
باستخدام ملعقة خشبية قوية أو مضرب يدوي، نبدأ في التقليب والخلط بسرعة فائقة حتى يمتص الدقيق كل السائل ويتكون لدينا كتلة عجينة متماسكة وغير لاصقة بجوانب القدر.
نعيد القدر إلى نار هادئة جداً ونستمر في تقليب العجينة لمدة تتراوح بين 2-3 دقائق. هذه الخطوة، التي تُعرف بـ “طبخ” العجينة، هي سر أساسي في إكسابها قواماً مناسباً للقرمشة، حيث تسمح للنشويات في الدقيق بالتفاعل مع الحرارة وجعلها أكثر مرونة وقدرة على تحمل القلي. تلاحظين أن العجينة بدأت تتكون طبقة رقيقة ملتصقة بقاع القدر، وهذا علامة جيدة.
3. تبريد العجينة وتهويتها:
ننقل العجينة الساخنة إلى وعاء آخر ونتركها جانباً لتبرد قليلاً. من الضروري أن تبرد العجينة لدرجة لا تتسبب في طهي البيض فور إضافته.
يمكن تسريع عملية التبريد عن طريق تقليب العجينة من وقت لآخر باستخدام الملعقة الخشبية لتهويتها.
4. إضافة البيض والفانيليا:
عندما تبرد العجينة قليلاً، نبدأ في إضافة البيض تدريجياً، بيضة تلو الأخرى.
بعد إضافة كل بيضة، يجب أن نخلط العجينة جيداً وبقوة حتى تتجانس تماماً مع البيضة السابقة قبل إضافة البيضة التالية. هذه الخطوة تتطلب جهداً، ويمكن استخدام العجانة الكهربائية لتسهيل الأمر.
تأكدي من أن كل بيضة اندمجت بالكامل في العجينة قبل إضافة الأخرى. القوام المطلوب هو عجينة ناعمة، مطاطية، ولامعة. إذا كانت العجينة لا تزال قاسية، يمكن إضافة بيضة إضافية (أو حتى صفار بيضة) تدريجياً حتى نصل للقوام المطلوب.
في النهاية، نضيف الفانيليا ونخلط جيداً.
المرحلة الثانية: تشكيل بلح الشام
بعد الحصول على العجينة المثالية، تأتي مرحلة التشكيل.
1. تجهيز الأدوات:
نحتاج إلى كيس حلواني مزود بقمع بلح الشام (القمع ذي الفتحات المشرشرة) أو قمع عادي ذي فتحة متوسطة.
قدر عميق للقلي.
زيت نباتي غزير للقلي.
2. عملية التشكيل:
نضع العجينة في كيس الحلواني.
نُسخن كمية وفيرة من الزيت النباتي في القدر على نار متوسطة. يجب أن يكون الزيت ساخناً بما يكفي، ولكن ليس لدرجة أن يحرق بلح الشام فور وضعه. لاختبار درجة حرارة الزيت، يمكن وضع قطعة صغيرة جداً من العجين، إذا ارتفعت على الفور وبدأت في القلي، فالزيت جاهز.
باستخدام مقص أو سكين، نقوم بقص العجين من كيس الحلواني إلى أطوال مناسبة (حوالي 5-7 سم)، ونضعها مباشرة في الزيت الساخن. يُفضل عدم وضع كمية كبيرة من بلح الشام في القدر دفعة واحدة حتى لا تنخفض درجة حرارة الزيت بشكل كبير، مما يؤثر على القرمشة.
عندما يبدأ بلح الشام في الطفو، نخفض درجة الحرارة قليلاً ونتركه ليُقلى حتى يصبح لونه ذهبياً داكناً أو بنياً فاتحاً. التقليب المستمر يساعد على نضجه بشكل متساوٍ ويكتسب لوناً موحداً.
المرحلة الثالثة: تحضير الشراب السكري (الشربات)
الشراب هو الذي يمنح بلح الشام حلاوته ونكهته المميزة، كما يلعب دوراً في الحفاظ على قرمشته.
1. تحضير الشراب:
في قدر آخر، نضع السكر والماء.
نرفع القدر على نار متوسطة ونحرك بلطف حتى يذوب السكر تماماً.
عندما يبدأ الخليط بالغليان، نضيف عصير الليمون.
نترك الشراب يغلي لمدة 5-7 دقائق حتى يتكثف قليلاً. يجب أن يكون الشراب متوسط الكثافة، ليس خفيفاً جداً ولا ثقيلاً جداً.
نرفع الشراب عن النار ونضيف إليه ماء الزهر أو ماء الورد إذا رغبتِ.
2. خطوة التشريب الحيوية:
هذه هي اللحظة الحاسمة التي تربط بين القرمشة والحلاوة.
يجب أن يكون الشراب دافئاً أو فاتراً، وبلح الشام مقلياً وساخناً جداً.
نرفع بلح الشام من الزيت مباشرة ونضعه في الشراب الدافئ.
نتركه في الشراب لمدة 2-3 دقائق فقط، مع التقليب المستمر ليتشرب الشراب جيداً من جميع الجوانب. لا تتركيه لفترة أطول من اللازم حتى لا يصبح طرياً.
نخرج بلح الشام من الشراب ونضعه في مصفاة أو طبق ليبرد ويتخلص من أي شراب زائد.
أسرار إضافية للحصول على بلح الشام المقرمش المثالي
هناك بعض النصائح الإضافية التي يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في جودة بلح الشام الخاص بك.
1. درجة حرارة الزيت:
كما ذكرنا سابقاً، درجة حرارة الزيت تلعب دوراً حاسماً. الزيت البارد جداً يجعل بلح الشام يمتص الكثير من الزيت ويصبح طرياً. الزيت الساخن جداً يحرق الخارج ويترك الداخل نيئاً. المتوسط هو الأفضل.
2. حجم وشكل بلح الشام:
الأحجام الصغيرة والمتوسطة غالباً ما تكون أسهل في الحصول على قرمشة متساوية. الأشكال غير المنتظمة قد تؤدي إلى مناطق أكثر قرمشة من غيرها.
3. التبريد بعد القلي:
بعد إخراج بلح الشام من الشراب، اتركه ليبرد تماماً قبل تقديمه. يساعد التبريد على تماسك القوام وزيادة القرمشة.
4. طريقة التخزين:
إذا لم يتم تناوله فوراً، يُفضل تخزين بلح الشام في علبة محكمة الإغلاق في درجة حرارة الغرفة. تجنب تخزينه في الثلاجة لأنه قد يفقد قرمشته.
5. التنوع في المكونات:
نوع الدهون: استخدام السمن البلدي يضفي نكهة رائعة، ولكن يمكن استخدام خليط من السمن والزبدة أو زيت نباتي عالي الجودة.
إضافات للعجينة: بعض الوصفات التقليدية قد تضيف القليل من السميد الناعم للعجينة، وهذا يمكن أن يساهم في قوام مقرمش، ولكننا هنا نركز على الوصفة الأساسية بدون إضافات قد تغير من طبيعة الوصفة الأساسية.
التحديات الشائعة وكيفية التغلب عليها
بلح الشام طري وغير مقرمش: غالباً ما يكون السبب هو عدم “طبخ” العجينة بشكل كافٍ على النار، أو أن الزيت لم يكن ساخناً بالدرجة الكافية عند القلي، أو أن بلح الشام بقي في الشراب لفترة طويلة.
بلح الشام يتشقق أو يتفتت أثناء القلي: قد يكون السبب هو إضافة البيض بسرعة كبيرة أو عدم خلط العجينة جيداً بعد إضافة البيض. التأكد من أن العجينة أصبحت متجانسة ومطاطية هو الحل.
بلح الشام يمتص الكثير من الزيت: هذا يحدث غالباً عندما تكون درجة حرارة الزيت منخفضة جداً، أو عندما لا تكون العجينة مطبوخة جيداً.
خاتمة: متعة المذاق الأصيل
باتباع هذه الخطوات والنصائح، يمكنكِ أن تتقني فن إعداد بلح الشام المقرمش الأصيل في منزلك، مستمتعةً بتلك القرمشة الرائعة والنكهة المميزة التي لا تُضاهى، دون الحاجة إلى أي مواد إضافية مثل النشا. إنها رحلة ممتعة في عالم الحلويات الشرقية، تجمع بين الأصالة والمتعة، وتقدم لكِ ولعائلتكِ لحظات لا تُنسى من السعادة.
