الفتة اللبنانية بالدجاج: رحلة شهية عبر النكهات والتراث

تُعد الفتة اللبنانية بالدجاج طبقًا أيقونيًا في المطبخ اللبناني، يجمع بين البساطة والأناقة، وبين النكهات الغنية والتقاليد العريقة. إنها ليست مجرد وجبة، بل هي تجربة حسية تأخذنا في رحلة عبر التاريخ والنكهات الأصيلة التي تميز المطبخ الشرقي. يشتهر هذا الطبق بقدرته على إرضاء جميع الأذواق، حيث يمزج بين قرمشة الخبز المحمص، وطراوة الدجاج، ودسامة صلصة الزبادي، ولمسة التوابل المنعشة. إنها دعوة للاحتفاء باللحظات العائلية، ولتقديم طبق يجمع بين الأصالة والحداثة في آن واحد.

### أصول الفتة: قصة طبق عريق

لفهم سحر الفتة اللبنانية بالدجاج، من الضروري الغوص في جذورها التاريخية. كلمة “فتة” نفسها مشتقة من الفعل العربي “فتّ” والذي يعني “كسّر”، في إشارة إلى المكون الأساسي للطبق وهو الخبز المفتت أو المكسر. يعود تاريخ الفتة إلى عصور قديمة، حيث كانت وسيلة فعالة للاستفادة من بقايا الخبز اليومي، وتحويله إلى وجبة شهية ومغذية. ومع مرور الزمن، تطورت الفتة من مجرد طبق بسيط إلى تشكيلة واسعة من الأنواع، تختلف باختلاف المكونات المضافة، سواء كانت لحمًا، دجاجًا، بقوليات، أو حتى خضروات.

في لبنان، اكتسبت الفتة بالدجاج مكانة مرموقة، لتصبح طبقًا أساسيًا على موائد المناسبات والاحتفالات، وكذلك وجبة عائلية مفضلة في الأيام العادية. إن استخدام الدجاج بدلًا من اللحم الأحمر يضفي على الطبق خفة وطعمًا مختلفًا، مما يجعله خيارًا مثاليًا لمن يبحث عن وجبة متوازنة ولذيذة.

### المكونات الأساسية: سيمفونية من النكهات

تتطلب إعداد الفتة اللبنانية بالدجاج مجموعة من المكونات الطازجة والمختارة بعناية لضمان الحصول على أفضل نكهة وقوام. يكمن سر نجاح الطبق في التوازن الدقيق بين هذه المكونات، كل منها يلعب دورًا حيويًا في إضفاء الطعم المميز.

#### 1. الخبز اللبناني: قاعدة الطبق الذهبية

يعتبر الخبز اللبناني، وخاصة الخبز العربي الرقيق، هو الأساس الذي يقوم عليه هذا الطبق. يجب أن يكون الخبز طازجًا ويفضل أن يكون قليل السُمك. يتم تقطيعه إلى مربعات صغيرة أو مثلثات، ثم يُقلى بزيت غزير حتى يصبح ذهبي اللون ومقرمشًا. هذه القرمشة هي ما يميز الفتة ويمنحها طابعها الفريد. في بعض الأحيان، يُستخدم الخبز المجفف والمحمص في الفرن كبديل صحي للقلي، مما يمنح نفس القرمشة مع سعرات حرارية أقل.

#### 2. الدجاج: قلب الطبق النابض

يُعد الدجاج المكون الرئيسي البروتيني في الفتة اللبنانية. يُفضل استخدام صدور الدجاج أو أفخاذ الدجاج منزوعة العظم والجلد. يتم سلق الدجاج في ماء مع إضافة بعض المنكهات مثل ورق الغار، الهيل، والبصل، لضمان الحصول على مرق غني بالنكهة. بعد سلق الدجاج، يُترك ليبرد قليلًا ثم يُفتت إلى قطع صغيرة أو يُقطع إلى شرائح. يمكن أيضًا إضافة الدجاج المشوي أو المقلي إلى الفتة لإضفاء نكهة مختلفة.

#### 3. صلصة الزبادي: الغموض الكريمي

صلصة الزبادي هي المكون الذي يربط جميع العناصر معًا ويضفي على الفتة قوامها الكريمي الغني. تُحضر هذه الصلصة من الزبادي الطبيعي كامل الدسم، مع إضافة القليل من الثوم المهروس، وعصير الليمون، والملح. يكمن فن تحضير الصلصة في الحصول على القوام المناسب، فلا تكون سائلة جدًا ولا سميكة جدًا. يمكن إضافة القليل من مرق سلق الدجاج لتخفيف الصلصة إذا لزم الأمر.

#### 4. لمسات إضافية: التوابل والزينة

لا تكتمل الفتة دون إضافة لمسات من التوابل التي تمنحها رونقًا خاصًا. الكمون هو التابل الأساسي الذي يضيف نكهة مميزة للصلصة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إضافة القليل من البابريكا أو السماق لإضفاء لون جميل ونكهة حمضية خفيفة. أما بالنسبة للزينة، فتُعد حبوب الصنوبر المحمصة والفستق الحلبي من الإضافات الفاخرة التي تضفي قرمشة إضافية ولونًا جذابًا على الطبق. كما أن أوراق البقدونس المفرومة تمنح الطبق لمسة من الانتعاش.

### خطوات التحضير: دليل شامل لفتة مثالية

تتطلب عملية إعداد الفتة اللبنانية بالدجاج بعض الخطوات الدقيقة لضمان الحصول على أفضل نتيجة. إليك دليل شامل لمساعدتك في تحضير هذا الطبق الشهي:

#### تحضير الخبز: القرمشة الذهبية

1. تقطيع الخبز: ابدأ بتقطيع الخبز العربي إلى مربعات صغيرة أو مثلثات بحجم مناسب.
2. القلي: سخّن كمية وفيرة من الزيت النباتي في مقلاة عميقة على نار متوسطة. اقلي قطع الخبز على دفعات حتى يصبح لونها ذهبيًا داكنًا ومقرمشًا.
3. التصفية: ارفع الخبز المقلي باستخدام ملعقة مثقوبة وضعه على ورق ماص للتخلص من الزيت الزائد. اتركه جانبًا ليبرد تمامًا.
بديل صحي: يمكنك دهن قطع الخبز بالقليل من زيت الزيتون وتحميصها في الفرن على درجة حرارة 180 درجة مئوية حتى تصبح مقرمشة.

#### سلق الدجاج: أساس النكهة

1. تحضير مرق الدجاج: في قدر كبير، ضع قطع الدجاج (صدور أو أفخاذ) مع كمية كافية من الماء لتغطيتها. أضف ورقة غار، بضع حبات هيل، عود قرفة صغير، نصف بصلة مقطعة، وملعقة صغيرة ملح.
2. السلق: اترك الدجاج ليغلي على نار متوسطة لمدة 20-25 دقيقة، أو حتى ينضج تمامًا.
3. التفتيت: ارفع الدجاج من المرق واتركه ليبرد قليلًا. ثم قم بتفتيته إلى قطع صغيرة باستخدام يديك أو شوكتين. احتفظ ببعض مرق الدجاج لاستخدامه في تحضير صلصة الزبادي.

#### تحضير صلصة الزبادي: التوازن المثالي

1. الزبادي والثوم: في وعاء كبير، ضع كمية من الزبادي الطبيعي (يفضل أن يكون سميكًا). أضف فصًا أو فصين من الثوم المهروس جيدًا مع قليل من الملح.
2. الليمون والملح: أضف عصير ليمونة طازجة وملعقة صغيرة من الملح.
3. الخلط: اخفق المكونات جيدًا بملعقة أو مضرب يدوي حتى تحصل على صلصة ناعمة وكريمية.
4. تعديل القوام: إذا كانت الصلصة سميكة جدًا، أضف القليل من مرق سلق الدجاج البارد تدريجيًا مع الاستمرار في الخفق حتى تصل إلى القوام المطلوب. يجب أن تكون الصلصة قابلة للصب ولكن ليست سائلة جدًا.
5. إضافة الكمون: أضف نصف ملعقة صغيرة من الكمون المطحون واخلط جيدًا.

#### تجميع الفتة: بناء الطبق الشهي

1. طبقة الخبز: في طبق تقديم كبير وعميق، ضع طبقة سخية من الخبز المقرمش.
2. طبقة الدجاج: وزّع قطع الدجاج المفتت فوق الخبز.
3. طبقة الصلصة: اسكب صلصة الزبادي الكريمية فوق الدجاج والخبز، مع التأكد من تغطية المكونات بشكل متساوٍ.
4. التوابل والزينة: رش القليل من الكمون الإضافي، والسماق (اختياري)، والبابريكا (اختياري) فوق الصلصة.
5. القلي (اختياري): في مقلاة صغيرة، سخّن ملعقتين كبيرتين من زيت الزيتون أو السمن. أضف فص ثوم مهروس (اختياري) وقلّبه حتى تفوح رائحته. ثم صب هذا الزيت الساخن فوق الفتة لإضفاء نكهة إضافية.
6. الصنوبر والفستق: زيّن الطبق بحبوب الصنوبر المحمصة والفستق الحلبي المفروم.
7. البقدونس: رش أوراق البقدونس المفرومة لإضافة لمسة من اللون والانتعاش.

### نصائح وتعديلات: إضفاء لمسة شخصية

الفتة اللبنانية بالدجاج طبق مرن يمكن تعديله ليناسب الأذواق المختلفة. إليك بعض النصائح لتطوير طبقك:

الدجاج المشوي: للحصول على نكهة مدخنة، يمكنك استخدام الدجاج المشوي بدلًا من المسلوق. قم بتتبيل الدجاج بالملح والفلفل والبابريكا قبل الشوي، ثم قطعه أو فتته.
الثوم: إذا كنت من محبي الثوم، يمكنك زيادة كميته في الصلصة، أو تحميص فص ثوم كامل مع الزيت وتقديمه كزينة.
الحمص: يمكن إضافة طبقة من الحمص المسلوق بين طبقة الدجاج والخبز لإضفاء قيمة غذائية إضافية وقوام مختلف.
الخضروات: بعض الناس يفضلون إضافة بعض الخضروات المقطعة ناعمًا مثل الخيار أو الطماطم إلى الفتة، ولكن هذا ليس تقليديًا في الفتة اللبنانية الأصلية.
الفلفل الحار: لمحبي الأطعمة الحارة، يمكن إضافة رشة من الفلفل الحار المجروش أو الصلصة الحارة إلى صلصة الزبادي.
التقديم: تُقدم الفتة عادةً دافئة، ولكن يمكن تقديمها باردة في الأيام الحارة. يُفضل تقديمها فور تحضيرها للحفاظ على قرمشة الخبز.

### الفتة في الثقافة اللبنانية: أكثر من مجرد طعام

تتجاوز الفتة اللبنانية بالدجاج كونها مجرد طبق غذائي لتصبح جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للبنان. إنها طبق يجمع العائلة والأصدقاء حول المائدة، ويُقدم في المناسبات السعيدة والأعياد. رمزيتها تكمن في قدرتها على تحويل المكونات البسيطة إلى وليمة شهية، وفي تذكيرنا بأهمية التراث والاستدامة. في كل لقمة من الفتة، نذوق طعم الأصالة، وحكايات الأجداد، ودفء البيت اللبناني. إنها دعوة للاستمتاع بالنكهات الغنية، وللاحتفاء بلحظات الحياة الجميلة.

### القيمة الغذائية: وجبة متوازنة

على الرغم من أن الفتة بالدجاج تعتبر طبقًا غنيًا بالسعرات الحرارية بسبب الخبز المقلي، إلا أنها تقدم أيضًا قيمة غذائية جيدة. الدجاج مصدر ممتاز للبروتين الخالي من الدهون، وهو ضروري لبناء وإصلاح الأنسجة. الزبادي غني بالبروبيوتيك المفيدة لصحة الجهاز الهضمي، والكالسيوم الضروري لصحة العظام. كما أن استخدام زيت الزيتون في بعض المراحل يضيف دهونًا صحية غير مشبعة. مع التعديلات الصحية مثل استخدام الخبز المحمص في الفرن وتقليل كمية الزيت، يمكن جعل الفتة خيارًا صحيًا أكثر.

### استنتاج: طبق خالد

تظل الفتة اللبنانية بالدجاج طبقًا خالدًا في عالم المطبخ الشرقي، يحافظ على مكانته المرموقة بفضل نكهته الفريدة، سهولة تحضيره نسبيًا، وقدرته على تلبية أذواق متنوعة. إنها شهادة على الإبداع والبراعة في المطبخ اللبناني، ودعوة للاستمتاع بأجواء المائدة الشرقية الأصيلة. سواء كنت تستعد لإعدادها لأول مرة أو كنت من محبيها القدامى، فإن تجربة الفتة اللبنانية بالدجاج دائمًا ما تكون رحلة ممتعة وشهية.