النوم الزائد: وجه آخر للإفراط
في مجتمع غالبًا ما يمجد السهر والإنتاجية المستمرة، قد يبدو النوم لساعات طويلة كحلم جميل أو مكافأة مستحقة. ومع ذلك، وكما هو الحال مع أي شيء في الحياة، فإن الاعتدال هو المفتاح، والإفراط في النوم يمكن أن يحمل معه مجموعة من الآثار السلبية على صحتنا الجسدية والعقلية. قد نعتقد أننا نعزز صحتنا من خلال قضاء وقت أطول في السرير، لكن الحقيقة قد تكون على العكس تمامًا، حيث يحذر الخبراء من مخاطر متزايدة مرتبطة بالنوم الزائد، والذي يُعرف طبيًا بـ “فرط النوم” (Hypersomnia).
ما هو النوم الزائد؟
قبل الخوض في الأضرار، من المهم فهم ما يعنيه النوم الزائد. بشكل عام، يعتبر البالغون يحصلون على قسط كافٍ من النوم عندما ينامون ما بين 7 إلى 9 ساعات في الليلة. عندما يتجاوز الشخص هذا المعدل بشكل مستمر، أو يشعر بالحاجة الماسة للنوم خلال النهار حتى بعد الحصول على قسط وافر من النوم ليلاً، فقد يكون يعاني من فرط النوم. هذا لا يعني مجرد الشعور بالنعاس في يوم مرهق، بل هو شعور دائم بالحاجة للنوم يصعب مقاومته.
الأضرار الجسدية للنوم المفرط
قد يبدو النوم وكأنه فترة راحة ضرورية للجسم، ولكن النوم لساعات طويلة بشكل منتظم يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات جسدية غير متوقعة:
زيادة الوزن والسمنة
الخمول وقلة الحركة
أحد الآثار المباشرة للنوم الزائد هو قلة النشاط البدني. عندما يقضي الشخص معظم وقته في السرير، تقل فرصه في ممارسة الرياضة أو حتى القيام بالأنشطة اليومية التي تتطلب حركة. هذا الخمول المزمن يؤدي إلى حرق سعرات حرارية أقل، مما يساهم بشكل كبير في زيادة الوزن. الجسم الذي لا يتحرك بانتظام يعاني من ضعف في عملية الأيض، مما يجعل تخزين الدهون أسهل.
اضطرابات هرمونية
النوم الزائد يمكن أن يؤثر على توازن الهرمونات المسؤولة عن الشهية وتنظيم الوزن. هرمونات مثل اللبتين (الذي يخبر الجسم بالشبع) والجريلين (الذي يحفز الشهية) يمكن أن تتأثر، مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالجوع والرغبة في تناول الأطعمة غير الصحية، وبالتالي زيادة الوزن.
زيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة
مرض السكري من النوع الثاني
ربطت العديد من الدراسات بين النوم الزائد وزيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. يعتقد الباحثون أن فرط النوم قد يؤثر على كيفية معالجة الجسم للجلوكوز، مما يؤدي إلى مقاومة الأنسولين، وهي حالة تمهد الطريق للإصابة بالسكري.
أمراض القلب والأوعية الدموية
النوم لساعات طويلة بشكل مستمر يرتبط أيضًا بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب. يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع ضغط الدم، وزيادة مستويات الكوليسترول، وزيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. يبدو أن الجسم يحتاج إلى دورة نوم منتظمة وصحية للحفاظ على وظائف القلب والأوعية الدموية بشكل مثالي.
الصداع وآلام الظهر
تأثير على دورة النوم والاستيقاظ
قد يعاني الأشخاص الذين ينامون أكثر من اللازم من الصداع، خاصة عند الاستيقاظ. يُعتقد أن هذا مرتبط بتأثير النوم الزائد على الناقلات العصبية في الدماغ، مثل السيروتونين. كما أن قضاء وقت طويل في وضعية الاستلقاء يمكن أن يضع ضغطًا إضافيًا على عضلات الظهر، مما يؤدي إلى آلام مزمنة.
الأضرار النفسية والعقلية للنوم المفرط
لا تقتصر آثار النوم الزائد على الجسد فحسب، بل تمتد لتشمل الحالة النفسية والعقلية للفرد:
الاكتئاب والقلق
حلقة مفرغة
غالبًا ما يكون فرط النوم علامة على الاكتئاب، ولكنه يمكن أيضًا أن يفاقم أعراضه. الشعور بالخمول وعدم القدرة على الانخراط في الأنشطة اليومية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم مشاعر الحزن وفقدان الاهتمام. كما أن اضطراب دورة النوم الطبيعية يمكن أن يؤثر سلبًا على المزاج، مما يزيد من الشعور بالقلق والتوتر.
تدهور الوظائف الإدراكية
ضعف التركيز والذاكرة
قد يجد الأشخاص الذين ينامون أكثر من اللازم صعوبة في التركيز، وتذكر الأشياء، واتخاذ القرارات. يعتقد أن هذا يعود إلى اضطراب الإيقاعات اليومية للجسم، والتي تلعب دورًا حيويًا في وظائف الدماغ، بما في ذلك الانتباه والذاكرة.
الشعور بالخمول وعدم النشاط
بدلاً من الشعور بالانتعاش، غالبًا ما يشعر الأفراد الذين يعانون من فرط النوم بالخمول والضبابية الذهنية حتى بعد الاستيقاظ. هذا الشعور المستمر بعدم النشاط يمكن أن يؤثر بشكل كبير على جودة الحياة والإنتاجية.
متى يجب طلب المساعدة؟
إذا كنت تجد نفسك تنام باستمرار أكثر من 9 ساعات في الليلة، وتشعر بالنعاس الشديد خلال النهار، أو تعاني من صعوبة في الاستيقاظ، فقد يكون من الضروري استشارة طبيب. يمكن للطبيب تقييم حالتك، وتحديد ما إذا كان هناك سبب أساسي لفرط النوم (مثل اضطرابات النوم، أو مشاكل الغدة الدرقية، أو الاكتئاب)، ووضع خطة علاج مناسبة.
في الختام، النوم هو أحد الركائز الأساسية للصحة الجيدة، ولكن الإفراط فيه يمكن أن يكون ضارًا تمامًا مثل قلة النوم. إن فهم الأضرار المحتملة للنوم الزائد هو الخطوة الأولى نحو تحقيق التوازن الصحي الضروري لحياة أفضل.
