رحلة عبر حلاوة الشام: استكشاف أسماء حلويات سورية غريبة وما وراءها

تُعد سوريا، بأراضيها العريقة وثقافتها الغنية، كنزًا دفينًا من النكهات والتقاليد، ولا سيما في عالم الحلويات. فبعيدًا عن المتعارف عليه من الكنافة والنمورة والبقلاوة، تخبئ حلاوة الشام أسماءً ووصفات قد تبدو غريبة للوهلة الأولى، لكنها تحمل في طياتها قصصًا وحكايات تعكس براعة المطبخ السوري وتنوعه. هذه الحلويات، التي قد لا تجدها في قوائم المطاعم الشهيرة دائمًا، هي شهادة حية على الإبداع المحلي، وعلى كيفية تحويل المكونات البسيطة إلى تحف فنية لذيذة. إنها دعوة لاستكشاف ما وراء المألوف، للغوص في أعماق التقاليد، واكتشاف كنوز مخفية في كل قضمة.

الغموض في الأسماء: ما وراء المألوف

تتميز العديد من الحلويات السورية الغريبة بأسماء فريدة، غالبًا ما تكون مستوحاة من أشكالها، أو مكوناتها، أو حتى القصص الشعبية المحيطة بها. هذه الأسماء، التي قد تبدو للبعض غريبة أو غير مألوفة، هي جزء لا يتجزأ من هويتها الثقافية. إنها ليست مجرد تسميات، بل هي مفاتيح تفتح أبوابًا لفهم أعمق لتاريخ هذه الحلويات وطريقة تحضيرها.

1. “خبز الأرنب” أو “أرنبية”: قصة شكل أم حكاية؟

من الحلويات التي تثير الفضول باسمها “خبز الأرنب” أو “أرنبية”. قد يتساءل البعض عن علاقة الأرانب بالحلويات. الحقيقة هي أن هذه الحلوى، التي غالبًا ما تُحضر من السميد والدقيق والسمن وماء الورد، تُشكّل على هيئة شبه دائرية، وفي بعض الأحيان تُزيّن ببعض النقوش التي قد تُشبه أذني الأرنب. بعض الروايات تشير إلى أن تسميتها جاءت من كونها حلوى خفيفة وسريعة التحضير، مثلما تتميز الأرانب بخفتها وسرعتها. بينما يرى آخرون أن التسمية قد تكون أطلقت في فترة تاريخية معينة، ربما كنوع من التلاعب اللفظي أو للتعبير عن بساطتها. بغض النظر عن أصل التسمية، فإن “خبز الأرنب” يتميز بطعمه اللذيذ وقوامه الهش، وغالبًا ما يُغطى بالسكر البودرة أو الفستق الحلبي.

2. “عجينة الست” أو “ست العجائن”: دليل على إتقان؟

اسم آخر يثير الدهشة هو “عجينة الست” أو “ست العجائن”. لا يتعلق الأمر هنا بوجود “ست” بالمعنى الحرفي، بل هو تعبير عن الإتقان والبراعة في تحضير العجينة. تُعد “عجينة الست” بمثابة عجينة أساسية تُستخدم في تحضير العديد من الحلويات الراقية، وتتطلب دقة بالغة في نسب المكونات وطريقة العجن والراحة. يُقال إن أي شخص يتقن تحضير هذه العجينة فهو “ست” أو “سيدة” في عالم الحلويات. هذه العجينة غالبًا ما تكون أساسًا لحلويات مثل “المدلوقة” وبعض أنواع البقلاوة الفاخرة. إنها عجينة رقيقة وهشة، تتطلب مهارة عالية لتشكيلها وطهيها دون أن تفقد قوامها المميز.

3. “المشبك”: ليس مجرد شكل، بل فن!

قد لا يعتبر اسم “المشبك” غريبًا تمامًا، لكن طريقة تحضيره وأشكاله المتنوعة تمنحه طابعًا خاصًا. تُحضر هذه الحلوى من عجينة سائلة تُصب على شكل شبكات متداخلة في الزيت الساخن، ثم تُغمر في القطر. ما يميز “المشبك” حقًا هو الإتقان المطلوب لرسم هذه الشبكات بشكل متناسق وجميل. كلما كانت الشبكات أكثر انتظامًا وتعقيدًا، دل ذلك على براعة صانعها. هناك أنواع مختلفة من “المشبك”، منها السميك ومنها الرقيق، ومنها ما يُضاف إليه نكهات مختلفة مثل الهيل أو ماء الزهر. إنها حلوى مقرمشة ولذيذة، تُعد تجسيدًا حيًا لفن تشكيل العجين.

4. “المقروطة”: حكاية حشوة وقضمة

اسم “المقروطة” قد يبدو مألوفًا في بعض المناطق، لكنه يحمل في طياته تنوعًا كبيرًا في سوريا. تُحضر “المقروطة” من عجينة متماسكة تُحشى بمكونات مختلفة، ثم تُقطّع إلى أشكال هندسية (غالبًا مستطيلة أو مربعة) وتُقلى أو تُخبز. ما يجعلها “غريبة” هو تنوع حشواتها. فبينما قد تُحشى بالتمر في مناطق، قد تُحشى بالفستق أو الجوز أو حتى خليط من هذه المكونات مع إضافة بعض البهارات مثل القرفة والهيل في مناطق أخرى. طريقة تشكيلها، حيث تُنقش بالشوكة أو بأدوات خاصة، تمنحها مظهرًا مميزًا. إنها حلوى تجمع بين قوام العجين الهش وحشواتها الغنية بالنكهات.

5. “حلاوة الأرز” أو “أرز بحليب” بنكهة الشام: ما الجديد؟

قد يبدو “الأرز بحليب” حلوى تقليدية معروفة في العديد من الثقافات. لكن في سوريا، تحمل هذه الحلوى أسماءً وطرق تحضير تضفي عليها طابعًا خاصًا وغريبًا بعض الشيء. تُعرف أحيانًا بـ “حلاوة الأرز” أو “مهلبية الأرز”. الجديد هنا هو الإضافات التي تُعطيها نكهة شامية مميزة. غالبًا ما يُستخدم الأرز المصري المطحون جيدًا، ويُضاف إليه ماء الورد والهيل، وقد يُزيّن بالفستق الحلبي المحمص أو القرفة. في بعض المناطق، قد تُقدم باردة مع طبقة من القشطة الطازجة، مما يمنحها قوامًا غنيًا وطعمًا لا يُقاوم. الغرابة هنا تكمن في التفاصيل الصغيرة التي تُحول حلوى بسيطة إلى تجربة مذاق فريدة.

6. “الزنكل”: حلوى من زمن مضى؟

اسم “الزنكل” قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى، ولا يرتبط مباشرة بالمفهوم العام للحلويات. هذه الحلوى، التي غالبًا ما تُحضر في المناسبات والأعياد، تتكون من عجينة رقيقة جدًا تُشبه عجينة الفيلو، تُحشى بمزيج من المكسرات والسكر والقرفة، ثم تُلف وتُقطع إلى شرائح وتُخبز. سبب تسميتها قد يعود إلى شكلها الملفوف، الذي قد يُشبه قضبان “الزنك” أو المعدن في بعض الأحيان. إنها حلوى تتطلب دقة ومهارة في تحضير العجينة الرقيقة، وتُقدم نكهة غنية وقوامًا مقرمشًا.

7. “كعك العيد” بأنواعه الغريبة: ما وراء البساطة؟

عندما نتحدث عن “كعك العيد”، قد يتبادر إلى الذهن الكعك المحشو بالتمر أو الفستق. لكن في سوريا، تتجاوز أنواع كعك العيد هذه التوقعات. هناك “كعك السمسم” أو “كعك الحبة الحلوة”، الذي يُضاف إليه اليانسون أو الشمر، مما يمنحه نكهة عطرية فريدة. وهناك أيضًا “كعك السكر”، وهو كعك هش وخفيف يُغطى بطبقة سخية من السكر الناعم، ويُقدم كبديل للكعك التقليدي. الغرابة تكمن في استخدام بعض النكهات التي قد لا تُعتبر تقليدية في الكعك في ثقافات أخرى، مثل اليانسون والشمر.

لماذا هذه الأسماء الغريبة؟ استكشاف الأسباب الثقافية والاجتماعية

لا تأتي هذه الأسماء الغريبة من فراغ. إنها غالبًا ما تكون انعكاسًا لعدة عوامل ثقافية واجتماعية:

التعبير عن الشكل: كما رأينا في “خبز الأرنب” أو “المشبك”، غالبًا ما تُستوحى الأسماء من الشكل الخارجي للحلوى. هذا يسهل على الناس التعرف عليها وتذكرها.
التعبير عن المكونات: أحيانًا، يُشير الاسم إلى مكون أساسي أو مميز في الحلوى، مثل “حلاوة الأرز”.
القصص والحكايات الشعبية: قد ترتبط بعض الأسماء بقصص شعبية، أو بأشخاص معينين، أو حتى بحوادث تاريخية. هذه القصص تُضفي على الحلوى بُعدًا ثقافيًا واجتماعيًا.
التعبير عن الجودة أو المهارة: تسميات مثل “عجينة الست” تُشير إلى مستوى عالٍ من الإتقان في تحضير الحلوى، مما يجعلها رمزًا للجودة.
التطور اللغوي والاجتماعي: مع مرور الزمن، قد تتغير الأسماء أو تتطور استجابة للتغيرات اللغوية والاجتماعية. بعض الأسماء قد تبدو قديمة أو غير مألوفة للأجيال الجديدة.
التأثيرات الإقليمية: سوريا بلد متنوع، وتختلف عادات وتقاليد الحلويات من منطقة إلى أخرى. قد تكون بعض الأسماء خاصة بمنطقة معينة، وتصبح غريبة عند سماعها في منطقة أخرى.

مكونات تمنحها طابعًا خاصًا

تعتمد العديد من هذه الحلويات الغريبة على مكونات أساسية تُعطيها قوامها وطعمها المميز، ولكن مع لمسات شامية خاصة:

السميد والدقيق: هما المكونان الأساسيان للكثير من العجائن، ولكن طريقة مزجهما ونسبهما تختلف من حلوى لأخرى.
السمن والزبدة: يُضفيان الغنى والقوام الهش على الحلويات. السمن البلدي الأصيل له طعم مميز لا يُعلى عليه.
ماء الورد وماء الزهر: هما من النكهات الأساسية في الحلويات السورية، ويُضفيان رائحة عطرية مميزة.
الهيل والقرفة: تُستخدم البهارات لإضافة عمق للنكهة، خاصة في الحشوات أو كزينة.
المكسرات: الفستق الحلبي، الجوز، اللوز، كلها تُستخدم بكثرة، سواء في الحشوات أو للتزيين.
القطر (الشيرة): هو المرافق الدائم لمعظم الحلويات السورية، ويُعطيه الحلاوة واللمعان.

الحلويات السورية الغريبة: كنز ثقافي يجب الحفاظ عليه

إن استكشاف أسماء الحلويات السورية الغريبة هو أكثر من مجرد رحلة في عالم النكهات، بل هو غوص في عمق الثقافة والتاريخ. هذه الحلويات، بأسمائها الغريبة وقصصها الشيقة، هي جزء لا يتجزأ من الهوية السورية، ويجب الحرص على الحفاظ عليها وتناقلها للأجيال القادمة. إنها شهادة على براعة الأجداد، وعلى قدرتهم على تحويل أبسط المكونات إلى كنوز لذيذة تُبهج القلوب وتُسعد الأذواق. في كل قضمة من هذه الحلويات، هناك حكاية، وهناك تاريخ، وهناك روح الشام الأصيلة.