النوم الزائد: وجه آخر للمشكلة الصحية
في مجتمع يعلي من قيمة اليقظة والإنتاجية، غالبًا ما يُنظر إلى النوم الزائد على أنه رفاهية أو حتى علامة على الكسل. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؛ فالنوم المفرط، تمامًا كقلته، يمكن أن يحمل في طياته مجموعة من المشكلات الصحية الجسدية والنفسية. إذا كان قلة النوم سببًا معروفًا للقلق والتوتر، فإن النوم لساعات أطول من المعتاد قد يكون مؤشرًا صامتًا لمشاكل كامنة أو حتى سببًا مباشرًا لتفاقمها.
ما هو النوم الزائد؟
يعرف النوم الزائد، أو فرط النوم (Hypersomnia)، بأنه الحاجة المستمرة للنوم لساعات طويلة جدًا، غالبًا ما تتجاوز 9 ساعات في الليلة، مع الشعور المفرط بالنعاس خلال النهار. قد يعاني الأشخاص المصابون بفرط النوم من صعوبة الاستيقاظ، وشعور دائم بالإرهاق، والحاجة الماسة لأخذ قيلولات متكررة. الأهم من ذلك، أن النوم الزائد ليس مجرد شعور بالرغبة في النوم، بل هو حالة تؤثر بشكل كبير على قدرة الفرد على أداء مهامه اليومية.
التداعيات الصحية للنوم المفرط
لا يقتصر تأثير النوم الزائد على الشعور بالخمول، بل يمتد ليشمل آثارًا سلبية على مختلف جوانب الصحة.
مشاكل القلب والأوعية الدموية
تشير العديد من الدراسات إلى وجود علاقة بين النوم الزائد وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب. فالأفراد الذين ينامون لساعات طويلة بشكل منتظم قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض الشريان التاجي، وفشل القلب، والسكتات الدماغية. يُعتقد أن هذا الارتباط قد يعود إلى عوامل مثل زيادة الالتهاب في الجسم، واضطرابات مستويات السكر في الدم، وتغيرات في ضغط الدم التي قد تصاحب النوم المفرط.
زيادة الوزن والسمنة
قد يبدو الأمر غريبًا، فكيف يمكن للنوم أن يؤدي إلى زيادة الوزن؟ يفسر الخبراء ذلك بعدة طرق. أولاً، النوم الزائد يقلل من مستوى النشاط البدني، مما يعني حرق سعرات حرارية أقل. ثانيًا، قد يؤثر النوم المفرط على هرمونات تنظيم الشهية، مثل اللبتين والجريلين، مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالجوع والرغبة في تناول الأطعمة غير الصحية. ثالثًا، قد يترافق فرط النوم مع اضطرابات في عملية الأيض، مما يجعل الجسم أقل كفاءة في معالجة السكر والدهون.
داء السكري
تظهر الأبحاث أن النوم لساعات طويلة جدًا قد يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. يُعتقد أن النوم المفرط يمكن أن يؤثر على حساسية الجسم للأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم. عندما تصبح الخلايا أقل استجابة للأنسولين، ترتفع مستويات السكر في الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بالسكري على المدى الطويل.
الاكتئاب واضطرابات المزاج
هناك علاقة معقدة بين النوم واضطرابات المزاج، والنوم الزائد ليس استثناءً. في حين أن قلة النوم غالبًا ما ترتبط بالاكتئاب، فإن النوم المفرط يمكن أن يكون أيضًا عرضًا أو سببًا له. قد يجد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أنفسهم يلجؤون إلى النوم كمحاولة للهروب من مشاعرهم السلبية أو كعلامة على فقدان الطاقة والدافع. في المقابل، قد يؤدي النوم الزائد نفسه إلى تفاقم مشاعر الحزن، والعزلة، وانعدام الهدف، مما يخلق حلقة مفرغة.
آلام الظهر والصداع
قد يشعر الأشخاص الذين ينامون لساعات طويلة بزيادة في آلام الظهر. يعود السبب في ذلك إلى أن البقاء في وضعية واحدة لفترة طويلة، خاصة على فراش غير مناسب، يمكن أن يسبب ضغطًا على العمود الفقري والعضلات المحيطة به. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون النوم المفرط سببًا للصداع، غالبًا ما يُعرف باسم “صداع عطلة نهاية الأسبوع” أو “صداع النوم”، والذي يحدث بسبب التغيرات في مستويات الناقلات العصبية في الدماغ الناتجة عن اختلاف نمط النوم.
متى يجب طلب المساعدة؟
من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالحاجة إلى المزيد من النوم في بعض الأحيان، مثل بعد يوم شاق أو عند التعافي من مرض. لكن عندما يصبح النوم الزائد نمطًا ثابتًا يؤثر على جودة الحياة، يصبح من الضروري استشارة الطبيب. قد يكون فرط النوم علامة على اضطرابات نوم أخرى مثل انقطاع التنفس أثناء النوم، أو متلازمة الأرجل المتململة، أو حتى مشكلات صحية كامنة مثل قصور الغدة الدرقية أو أمراض الأعصاب.
نصائح لتحسين نمط النوم
إذا كنت تعاني من النوم الزائد، فإن الخطوة الأولى هي تحديد السبب الكامن وراءه. قد يشمل العلاج تعديل نمط الحياة، مثل:
وضع جدول نوم منتظم: حاول النوم والاستيقاظ في نفس الوقت كل يوم، حتى في عطلات نهاية الأسبوع.
خلق بيئة نوم مثالية: اجعل غرفة نومك مظلمة، وهادئة، وباردة.
تجنب المنبهات قبل النوم: قلل من تناول الكافيين والنيكوتين قبل النوم، وتجنب الوجبات الثقيلة والكحول.
ممارسة الرياضة بانتظام: النشاط البدني يمكن أن يحسن جودة النوم، ولكن تجنب التمارين الشاقة قبل النوم مباشرة.
الحد من التعرض للشاشات: الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية يمكن أن يعيق إنتاج الميلاتونين.
النوم هو أحد الركائز الأساسية للصحة الجيدة، ولكن مثل أي شيء آخر، فإن الاعتدال هو المفتاح. فالنوم المفرط، على الرغم من أنه قد يبدو مريحًا في البداية، إلا أنه يمكن أن يكون له عواقب صحية وخيمة. الإنصات إلى جسدك وطلب المساعدة عند الحاجة هما خطوتان ضروريتان لضمان حياة صحية ومتوازنة.
