المشروبات الباردة والدورة الشهرية: علاقة قد لا تعرفينها

تُعد الدورة الشهرية فترة حساسة في حياة كل امرأة، تتطلب اهتمامًا خاصًا بالصحة والتغذية. وفي خضم البحث عن الراحة وتخفيف الأعراض المزعجة، قد تلجأ الكثيرات إلى المشروبات الباردة لتبريد الجسم أو لتخفيف شعور التقلصات. إلا أن هناك اعتقادًا سائدًا، مدعومًا بتجارب شخصية لدى البعض، بأن المشروبات الباردة قد تزيد من حدة بعض المشاكل المصاحبة للدورة الشهرية. فما مدى صحة هذه الاعتقادات؟ وهل هناك حقًا أضرار محتملة للمشروبات الباردة خلال هذه الفترة؟

فهم التغيرات الجسدية خلال الدورة الشهرية

قبل الغوص في تأثير المشروبات الباردة، من المهم أن نفهم التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في جسم المرأة خلال الدورة الشهرية. يتضمن هذا الشهر تقلبات هرمونية ملحوظة، خصوصًا في مستويات هرموني الإستروجين والبروجسترون. هذه التقلبات تؤثر على العديد من وظائف الجسم، بما في ذلك:

  • تغيرات في درجة حرارة الجسم: قد تشعر بعض النساء بارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم خلال مرحلة معينة من الدورة.
  • زيادة الحساسية: تصبح بعض الأنسجة والأعضاء أكثر حساسية للتغيرات الخارجية، بما في ذلك التغيرات في درجة الحرارة.
  • تأثير على الدورة الدموية: قد تحدث تغيرات طفيفة في تدفق الدم، خاصة في منطقة الحوض.

المشروبات الباردة: آلية التأثير المحتملة

يعتقد البعض أن شرب المشروبات الباردة، وخاصة المثلجة، يمكن أن يؤثر سلبًا على الجسم خلال الدورة الشهرية من خلال آليات عدة:

1. التأثير على انقباضات الرحم

يُقال إن البرودة الشديدة، سواء من المشروبات أو حتى من التعرض لتيارات هواء باردة، قد تؤدي إلى انقباضات مفاجئة في عضلات الرحم. إذا كانت هذه الانقباضات قوية، فقد تزيد من الشعور بالألم والتقلصات التي تعاني منها بعض النساء خلال الدورة الشهرية. يمكن تشبيه هذا التأثير بما يحدث عند التعرض لبرد مفاجئ في أي جزء آخر من الجسم، حيث قد تتشنج العضلات.

2. التأثير على الدورة الدموية المحلية

قد يؤدي التعرض للبرودة إلى تضييق الأوعية الدموية في المنطقة التي تتعرض لها. في حالة تناول مشروب بارد جدًا، يمكن أن يحدث تضييق مؤقت في الأوعية الدموية في الجهاز الهضمي أو حتى في منطقة البطن والحوض. هذا التضييق قد يقلل من تدفق الدم بشكل طفيف، مما قد يؤثر على عملية التخلص من بطانة الرحم، وبالتالي زيادة الألم لدى البعض.

3. التأثير على الهضم

غالبًا ما تشعر النساء بتغيرات في الجهاز الهضمي خلال الدورة الشهرية، مثل الانتفاخ أو الإمساك أو الإسهال. قد يؤدي شرب المشروبات الباردة إلى إبطاء عملية الهضم، حيث يحتاج الجسم إلى بذل المزيد من الطاقة لتدفئة السائل قبل هضمه. هذا البطء قد يزيد من شعور الانتفاخ وعدم الراحة الهضمية المصاحبة للدورة.

4. التأثير على التوازن العام للجسم

في الطب التقليدي، وخاصة في بعض الثقافات الآسيوية، يُنظر إلى البرودة على أنها عامل خارجي يمكن أن يخل بالتوازن الداخلي للجسم. خلال الدورة الشهرية، يكون الجسم في حالة من التكيف مع التغيرات الهرمونية، ويعتبر البعض أن إدخال البرودة الشديدة في هذا الوقت قد يزيد من إرهاق الجسم ويقلل من قدرته على التعامل مع التغيرات الفسيولوجية.

هل هناك أدلة علمية قاطعة؟

من المهم الإشارة إلى أن الأبحاث العلمية المباشرة التي تثبت بشكل قاطع أن المشروبات الباردة تسبب أضرارًا جسيمة خلال الدورة الشهرية لا تزال محدودة. يعتمد الكثير من الاعتقادات على الخبرات الفردية والتجارب المتوارثة. ومع ذلك، فإن الآليات الفسيولوجية المحتملة التي ذكرت سابقًا، مثل تأثير البرودة على انقباض العضلات وتضييق الأوعية الدموية، هي آليات معترف بها علميًا.

نصائح عملية للتعامل مع المشروبات خلال الدورة الشهرية

بناءً على ما سبق، وبغض النظر عن قلة الأدلة العلمية القاطعة، فإن الاستماع إلى جسدك هو المفتاح. إذا لاحظتِ أن المشروبات الباردة تزيد من آلامك أو تسبب لكِ انزعاجًا، فمن الحكمة اتباع النصائح التالية:

  • تفضيل المشروبات الدافئة: تعتبر المشروبات الدافئة، مثل شاي الأعشاب (البابونج، النعناع، الزنجبيل)، أو الماء الدافئ مع الليمون، خيارات ممتازة. فهي تساعد على الاسترخاء، وتخفيف التقلصات، وتحسين الدورة الدموية، وتعزيز الهضم.
  • الاعتدال في استهلاك المشروبات الباردة: إذا كنتِ تشعرين بحاجة ماسة لمشروب بارد، اختاري درجة حرارة معتدلة بدلًا من المثلجة. كما يمكنكِ تقليل الكمية أو شربها ببطء.
  • الانتباه لأي مشروبات أخرى: بعض المشروبات الغازية أو المحلاة قد تزيد من الانتفاخ والغازات، بغض النظر عن درجة حرارتها.
  • استشارة الطبيب: إذا كانت آلام الدورة الشهرية شديدة وغير محتملة، فمن الضروري استشارة طبيب نسائي لتشخيص السبب والحصول على العلاج المناسب.

خاتمة: الاستماع إلى نبض الجسد

في النهاية، فإن موضوع أضرار المشروبات الباردة أثناء الدورة الشهرية يظل غالبًا في نطاق التجارب الشخصية والاعتقادات الشائعة. ومع ذلك، فإن الاستماع إلى جسدك والاستجابة لإشاراته هو دائمًا أفضل استراتيجية. إذا وجدتِ أن المشروبات الدافئة تجلب لكِ الراحة، فلا تترددي في جعلها خيارك الأول خلال هذه الفترة. تذكري دائمًا أن صحتك وراحتك هما الأهم.