أضرار السكر وقت الدورة: رحلة من التقلبات المزاجية إلى آلام الجسد
تُعد فترة الدورة الشهرية لدى النساء وقتًا مليئًا بالتحديات، حيث تتغير مستويات الهرمونات بشكل كبير، مما يؤثر على الحالة المزاجية والصحة الجسدية. وفي خضم هذه التقلبات، غالبًا ما تلجأ الكثيرات إلى السكر كحل سريع للشعور بالراحة أو لتعويض الطاقة المفقودة. إلا أن هذا الحل السريع قد يحمل في طياته أضرارًا خفية تفاقم من أعراض الدورة الشهرية بدلاً من تخفيفها. إن فهم هذه الأضرار وكيفية تأثيرها على الجسم يمكن أن يساعد النساء على اتخاذ خيارات غذائية أكثر صحة خلال هذه الفترة الحساسة.
التأثيرات المباشرة للسكر على أعراض الدورة الشهرية
يُعرف السكر، وخاصة السكريات المضافة الموجودة في الحلويات والمشروبات الغازية والأطعمة المصنعة، بقدرته على إحداث تقلبات حادة في مستويات سكر الدم. هذه التقلبات لا تمر مرور الكرام، بل تتفاعل بشكل مباشر مع التغيرات الهرمونية التي تحدث خلال الدورة الشهرية، مما يؤدي إلى تفاقم العديد من الأعراض المزعجة.
1. تفاقم تقلبات المزاج والقلق
من أبرز المشاكل التي تزيدها السكريات وقت الدورة هي تقلبات المزاج الحادة، والشعور بالتوتر والقلق. عند تناول كميات كبيرة من السكر، يرتفع مستوى جلوكوز الدم بسرعة، مما يحفز إفراز الأنسولين بكميات كبيرة لخفضه. هذا الارتفاع والانخفاض السريع في سكر الدم يمكن أن يؤثر على مستويات النواقل العصبية في الدماغ، مثل السيروتونين، والذي يلعب دورًا هامًا في تنظيم المزاج. النتيجة هي الشعور بالضيق، والاكتئاب، وزيادة القابلية للانفعال، مما يجعل المرأة تشعر وكأنها في دوامة عاطفية لا تنتهي.
2. زيادة الشعور بالتعب والإرهاق
قد يبدو السكر مصدرًا سريعًا للطاقة، ولكن هذا الشعور مؤقت سرعان ما يليه هبوط حاد في مستويات الطاقة. هذا الارتفاع والانخفاض المتكرر في سكر الدم يضع عبئًا كبيرًا على الجسم، ويجعله يشعر بالإرهاق الشديد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الالتهابات الطفيفة التي قد يسببها تناول السكر بكثرة يمكن أن تساهم أيضًا في الشعور العام بالتعب والخمول، وهو أمر تعاني منه الكثيرات بالفعل خلال فترة الدورة الشهرية.
3. تفاقم آلام البطن والتقلصات
للسكر تأثير مباشر على الالتهابات في الجسم، ويمكن أن يساهم في زيادة الشعور بالانتفاخ والألم. خلال الدورة الشهرية، تكون بطانة الرحم حساسة بشكل خاص، وتناول الأطعمة التي تزيد من الالتهاب، مثل السكر، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التقلصات وآلام البطن. كما أن السكر يمكن أن يؤثر على توازن السوائل في الجسم، مما يزيد من الشعور بالانتفاخ وعدم الراحة.
4. زيادة الرغبة الشديدة في تناول الطعام (Cravings)
قد يبدو الأمر مفارقة، لكن تناول السكر بكثرة يمكن أن يؤدي إلى زيادة الرغبة الشديدة في تناول المزيد من السكر! هذا يرجع إلى آلية تعتمد على التكيف مع الارتفاعات والانخفاضات المستمرة في سكر الدم. عندما ينخفض سكر الدم بشكل حاد بعد تناول وجبة غنية بالسكر، يبدأ الجسم في إرسال إشارات للشعور بالجوع والرغبة الشديدة في تناول المزيد من الأطعمة السكرية لرفع المستوى بسرعة. هذا يخلق حلقة مفرغة يصعب كسرها، خاصة خلال فترة تشعر فيها المرأة بالضعف والرغبة في الراحة.
آثار طويلة الأمد لتناول السكر وقت الدورة
لا تقتصر أضرار السكر وقت الدورة على الأعراض المؤقتة، بل يمكن أن يكون لها آثار طويلة الأمد إذا استمر هذا النمط الغذائي غير الصحي.
1. التأثير على صحة الهرمونات والتوازن الهرموني
يمكن أن يؤثر تناول كميات كبيرة من السكر على توازن الهرمونات بشكل عام، وليس فقط خلال الدورة الشهرية. السكر يمكن أن يزيد من مقاومة الأنسولين، وهي حالة ترتبط بمتلازمة تكيس المبايض (PCOS) واضطرابات هرمونية أخرى. كما أن الالتهابات المزمنة التي يسببها السكر يمكن أن تعيق إنتاج الهرمونات الطبيعية وتؤثر على وظائفها.
2. زيادة خطر الإصابة بالالتهابات المزمنة
كما ذكرنا، السكر هو وقود للالتهابات في الجسم. الاستهلاك المفرط له، خاصة خلال فترة تكون فيها المرأة أكثر عرضة لبعض التغيرات الفسيولوجية، يمكن أن يساهم في زيادة مستويات الالتهاب المزمن. هذا الالتهاب مرتبط بمجموعة واسعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك أمراض القلب، والسكري، وبعض أنواع السرطان.
3. التأثير على صحة الجهاز الهضمي
يمكن أن يؤثر السكر سلبًا على صحة الميكروبيوم المعوي، وهو مجموعة البكتيريا المفيدة التي تعيش في الأمعاء. استهلاك كميات كبيرة من السكر يمكن أن يشجع نمو البكتيريا الضارة والفطريات، مما يؤدي إلى خلل في توازن الميكروبيوم. هذا الخلل يمكن أن يسبب مشاكل هضمية مثل الانتفاخ، والغازات، والإمساك أو الإسهال، ويؤثر على امتصاص العناصر الغذائية.
بدائل صحية للسكر وقت الدورة
لحسن الحظ، هناك العديد من البدائل الصحية التي يمكن أن تساعد في تخفيف أعراض الدورة الشهرية دون اللجوء إلى السكر.
1. الفواكه الطبيعية
توفر الفواكه مصدرًا طبيعيًا للسكر، ولكنها تحتوي أيضًا على الألياف والفيتامينات والمعادن الضرورية. الألياف تساعد على إبطاء امتصاص السكر، مما يمنع الارتفاعات والانخفاضات الحادة في سكر الدم. اختر الفواكه الغنية بمضادات الأكسدة مثل التوت، والكرز، والرمان، والتي قد تساعد في تقليل الالتهاب.
2. الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم
المغنيسيوم معدن حيوي يمكن أن يساعد في تخفيف تقلصات الدورة الشهرية وتحسين المزاج. توجد مصادر غنية بالمغنيسيوم في الخضروات الورقية الداكنة (مثل السبانخ)، والمكسرات والبذور (مثل اللوز وبذور اليقطين)، والشوكولاتة الداكنة (باعتدال).
3. الأطعمة الغنية بالأحماض الدهنية أوميغا 3
الأحماض الدهنية أوميغا 3 لها خصائص مضادة للالتهابات ويمكن أن تساعد في تخفيف آلام الدورة الشهرية. توجد هذه الأحماض في الأسماك الدهنية (مثل السلمون والسردين)، وبذور الكتان، وبذور الشيا، والجوز.
4. الترطيب الكافي
شرب كميات كافية من الماء ضروري جدًا خلال فترة الدورة الشهرية. يمكن أن يساعد الترطيب الجيد في تقليل الانتفاخ، وتخفيف آلام الصداع، ودعم وظائف الجسم بشكل عام.
5. الانتباه إلى إشارات الجسم
الأهم من ذلك، هو الاستماع إلى جسدك. إذا شعرتِ برغبة شديدة في تناول شيء حلو، حاولِ اختيار بديل صحي. إذا شعرتِ بالتعب، ركزِ على النوم الكافي والراحة. التغييرات الصغيرة والمستمرة يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في كيفية شعورك خلال فترة الدورة الشهرية.
في الختام، يمكن أن يكون السكر، على الرغم من جاذبيته السريعة، عدوًا خفيًا خلال فترة الدورة الشهرية. فهم أضراره وتأثيراته على الجسم، واختيار بدائل صحية، هو استثمار في صحتك ورفاهيتك، ويساعد على تجاوز هذه الفترة بأقل قدر من الانزعاج.
