السكرين والقلب: علاقة معقدة تستحق الفهم

لطالما سعى الإنسان إلى إيجاد بدائل صحية للسكر، لا سيما مع تزايد الوعي بمخاطره على الصحة العامة، وخاصة على القلب. ومن بين هذه البدائل، برز السكرين كواحد من أقدم المحليات الصناعية وأكثرها استخدامًا. لكن هل هذا البديل الخالي من السعرات الحرارية هو حقًا صديق لقلبنا؟ الإجابة ليست بسيطة، وتشير الأبحاث إلى أن العلاقة بين السكرين وصحة القلب قد تكون أكثر تعقيدًا مما نعتقد.

ما هو السكرين؟

السكرين، المعروف علميًا باسم سلفوبنزيميد، هو مُحلٍّ صناعي اكتُشف في عام 1879. يتميز بحلاوته الشديدة التي تفوق حلاوة السكر بـ 200 إلى 700 مرة، مما يعني أن كميات ضئيلة منه تكفي لتحلية المشروبات والأطعمة. وبما أنه لا يحتوي على سعرات حرارية، فقد أصبح خيارًا شائعًا للأشخاص الذين يسعون لتقليل استهلاكهم للسكر، سواء لأسباب تتعلق بالوزن أو بإدارة أمراض مثل السكري.

المخاوف الأولية والجدل العلمي

في الماضي، أثيرت مخاوف جدية حول سلامة السكرين، خاصة فيما يتعلق بتسببه في السرطان. أظهرت دراسات أجريت على فئران في السبعينيات أن تناول جرعات عالية جدًا من السكرين ارتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان المثانة. ومع ذلك، خلصت العديد من الدراسات اللاحقة، بما في ذلك تلك التي أجرتها منظمات صحية عالمية، إلى أن هذه النتائج لا تنطبق على البشر عند استهلاك السكرين بالكميات المعتادة. ورغم ذلك، ظل الشك يراود البعض حول سلامة السكرين، وتزايد الاهتمام بتأثيراته على جوانب صحية أخرى، أبرزها صحة القلب.

السكرين وتأثيراته المحتملة على القلب

على الرغم من أن السكرين لا يحتوي على السعرات الحرارية، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنه خالٍ تمامًا من أي تأثيرات على الجسم، بما في ذلك نظام القلب والأوعية الدموية. الأبحاث الحديثة بدأت تلقي الضوء على هذه العلاقة، وتشير إلى وجود آليات محتملة يمكن للسكرين من خلالها التأثير على صحة القلب.

1. التأثير على الميكروبيوم المعوي

ربما يكون التأثير الأبرز الذي أثبتته الدراسات الحديثة هو دور السكرين في تغيير توازن البكتيريا النافعة والضارة في الأمعاء، أو ما يُعرف بالميكروبيوم المعوي. أظهرت دراسات، أبرزها دراسة نُشرت في مجلة “Cell” عام 2014، أن السكرين يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في الميكروبيوم المعوي، مما قد يؤثر على عملية التمثيل الغذائي في الجسم.

كيف يؤثر الميكروبيوم المعوي على القلب؟

الميكروبيوم المعوي يلعب دورًا حاسمًا في العديد من العمليات الحيوية، بما في ذلك إنتاج بعض الفيتامينات، وهضم الألياف، وتنظيم الجهاز المناعي. الأبحاث تشير إلى أن اختلال توازن الميكروبيوم قد يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسمنة، ومقاومة الأنسولين، والالتهابات المزمنة، وكلها عوامل خطر رئيسية لأمراض القلب. بعض البكتيريا المعوية يمكن أن تنتج مواد يمكن أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على ضغط الدم، ومستويات الكوليسترول، وصحة الأوعية الدموية.

2. التأثير على حساسية الأنسولين والتمثيل الغذائي

ارتبطت بعض الدراسات التي أجريت على البشر والحيوانات بتناول السكرين بتغييرات في استجابة الجسم للأنسولين. قد يؤدي هذا إلى مقاومة الأنسولين، وهي حالة يصبح فيها الجسم أقل استجابة لهرمون الأنسولين، مما يرفع مستويات السكر في الدم. مقاومة الأنسولين هي عامل خطر معروف لأمراض القلب والأوعية الدموية، حيث تساهم في تطور السكري من النوع الثاني، وزيادة الالتهابات، وتصلب الشرايين.

مقاومة الأنسولين وأمراض القلب

عندما يصبح الجسم مقاومًا للأنسولين، فإن البنكرياس يضطر لإنتاج المزيد منه لخفض مستويات السكر في الدم. مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا الإجهاد المستمر إلى تلف خلايا البنكرياس، وزيادة مستويات السكر في الدم بشكل مزمن، مما يلحق الضرر بالأوعية الدموية والقلب. كما أن مقاومة الأنسولين غالبًا ما تكون مصحوبة بارتفاع في ضغط الدم وزيادة في الدهون الثلاثية، وكلاهما من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

3. تأثيرات محتملة أخرى

لا تزال الأبحاث جارية لفهم جميع جوانب تأثير السكرين على صحة القلب. هناك بعض الدراسات الأولية التي تشير إلى إمكانية تأثيره على مستويات ضغط الدم أو وظيفة الأوعية الدموية، ولكن هذه النتائج تحتاج إلى مزيد من التأكيد من خلال دراسات واسعة النطاق على البشر. من المهم ملاحظة أن معظم هذه الدراسات تركز على استهلاك كميات كبيرة من السكرين، وقد لا تنطبق النتائج بالضرورة على الاستهلاك المعتدل.

هل يجب التوقف عن استخدام السكرين؟

الإجابة على هذا السؤال ليست قاطعة. بالنسبة لمعظم الأشخاص الذين يستهلكون السكرين بكميات معتدلة كبديل للسكر، فإن المخاطر على القلب قد تكون قليلة. ومع ذلك، إذا كنت تعاني من أمراض القلب، أو لديك عوامل خطر للإصابة بها (مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري، ارتفاع الكوليسترول)، أو كنت تعاني من مشاكل في الجهاز الهضمي، فقد يكون من الحكمة استشارة طبيبك أو أخصائي التغذية.

بدائل صحية للسكر

بدلاً من الاعتماد الكلي على المحليات الصناعية، قد يكون من الأفضل استكشاف خيارات أخرى لتقليل استهلاك السكر. يمكن أن يشمل ذلك:
تقليل كمية السكر المضاف تدريجيًا: تعود الحواس على الطعم الأقل حلاوة.
استخدام المحليات الطبيعية باعتدال: مثل العسل أو شراب القيقب، مع الأخذ في الاعتبار سعراتها الحرارية.
التركيز على الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية: التي لا تحتاج إلى إضافة سكر، مثل الفواكه والخضروات.
شرب الماء: كبديل للمشروبات السكرية.

في الختام، بينما يوفر السكرين حلاوة خالية من السعرات الحرارية، فإن الأدلة المتزايدة تشير إلى أنه قد لا يكون خاليًا من التأثيرات على صحة القلب، خاصة فيما يتعلق بتأثيره على الميكروبيوم المعوي واستقلاب السكر. الاستهلاك المعتدل قد يكون آمنًا لمعظم الناس، ولكن الوعي بالمخاطر المحتملة والبحث عن بدائل صحية يظل دائمًا الخيار الأفضل لصحة قلبك على المدى الطويل.